الحرب فى غلاف غزة.. ماذا عن غلاف القضية؟

قضايا إستراتيجية
قضايا إستراتيجية

آخر تحديث: الإثنين 15 مايو 2023 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

مسرح العمليات الأخيرة التى وقعت بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى شملت المنطقة التى عرفت باسم «غلاف غزة». فى ضوء ذلك، نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للدكتور خالد عكاشة، تحدث فيه عن سبب إنشاء الدولة اليهودية هذا الغلاف فى المنطقة الواقعة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وكيف أدى انتقال القتال هناك إلى اختلال كبير للأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية... نعرض من المقال ما يلى.
بعد أيام معدودة من جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة؛ التى أطلقتها باغتيال ثلاثة من القيادات العسكرية لحركة الجهاد الفلسطينى، تدافعت الأحداث سريعا، بحيث لم تجد الحركة بدا من اللجوء لإطلاق الصواريخ، كآلية رد وجدت وفق حساباتها أنه سلاح الردع، الذى يمثل لها فى مواجهة الذراع الإسرائيلية الغليظة قدرا من التوازن. أحداث اليوم الأول وما أعقب القصف الإسرائيلى، حمل مشهدا لافتا يتعلق بحجم الترقب القلق مع حزمة القرارات والإجراءات، التى هرعت إليها الحكومة الإسرائيلية فى أثناء انتظار الرد الفلسطينى الذى تأخر عن عمد فى تلك الجولة. هذه الإجراءات تنوعت ما بين الإسراع فى نقل المدنيين وعمليات إغلاق لمرافق وطرق، وإجراءات أمن مشددة لضمان حماية قوات الجيش المكلفة بالعمل على نقاط ارتكاز وتماس، وجدت أن مواقعهم قد تمثل هدفا نموذجيا، فدفعت لهم بعدد من الملاجئ المحمولة.
المنطقة التى شهدت تلك الإجراءات وخضعت للطوارئ الحكومية والعسكرية، هى نطاق المدن والمستوطنات الإسرائيلية المتاخم للقطاع، فيما اصطلح تسميته بـ«غلاف غزة». ما لبث هذا المصطلح أن صار هو الأكثر تداولا على وسائل الإعلام، بمجرد بدء الرد الصاروخى الفلسطينى، ولم يكن الأمر يحتاج سوى ساعات قليلة، حتى اتضح أن مسرح العمليات جغرافيا هو «غلاف غزة»، ليس باعتباره هدفا عسكريا لصواريخ المقاومة فحسب، بل تجاوز هذه المرة ليعد بمثابة ساحة تشكيل «معادلة الردع» المتبادل بين الطرفين. وقد تشكلت هذه الساحة، بعد ست جولات اشتباك دارت فيها أو على أجزاء منها، بدأت بعملية «الرصاص المصبوب» 2008م وآخرها «الفجر الصادق» 2022م. الجدير ذكره أن «قطاع غزة» تبلغ مساحته 360 كيلو مترا مربعا، بطول 41 كم على الساحل الفلسطينى الجنوبى وعمق يتراوح بين 5 كم فى أضيق مناطقه، و15 كم عرضا فى أكثر نقاط اتساعه، فيما يقع «غلاف غزة» فى المناطق الإسرائيلية التى تحيط به من الشرق والشمال وما بينهما.
نشأ هذا الغلاف عقب انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وإخلاء مستوطناتها بداخله فى 2008م، لتقوم بعدها بإنشاء ما اعتبرته منطقة عازلة على طول الحدود البرية مع القطاع، حيث سمحت ببناء ما يقارب (50 مستوطنة) وعززت من مساحات بعض المدن الواقعة بالقرب أو فى النطاق، الذى صار فعليا على الأرض على هيئة غلاف يحيط بالقطاع. استلزم الأمر بعدها أن يتشكل لهذا الغلاف (3 مجالس إقليمية)، الأول «مجلس أشكول» ويمتد على مساحة 380 كيلو مترا مربعا، يسكنه (15 ألف مستوطن)، فى 32 مستوطنة. الثانى «مجلس شاعر هنيغف» ومساحته 180 كيلو مترا مربعا تضم 11 مستوطنة، يقطنها نحو (8 آلاف مستوطن). الثالث «مجلس أشكلون» يبلغ 175 كيلو مترا مربعا ويسكنه (17 ألف مستوطن) فى 4 مستوطنات. شهد تعداد المستوطنين ارتفاعا عن تلك الأرقام المسجلة فى 2009م، زيادة قدرها 30% تقريبا ليصل تعدادهم لما يقارب (55 ألف مستوطن) عام 2019. أبرز هذه المستوطنات «كيسوفيم» و«زيكيم» و«نحال عوز» و«كريات ملاخى» و«كريات غات»، بالإضافة لمدن ديمونة وعسقلان وأسدود وسديروت. المعلن بعد ثلاثة أيام من القتال، بحسب الجانب الإسرائيلى أن (620 صاروخا) تمكنت من عبور حدود قطاع غزة، فى الوجهة لأهداف متنوعة بداخل الغلاف. من أصل (803 صواريخ) ذات أعيرة ومديات مختلفة، يفترض أن جميعها أطلق بمعرفة الجهاد الإسلامى دون مشاركة (حماس)، لاسيما أن الأخيرة اقتصر دورها على السماح بتشغيل «غرفة العمليات المشتركة» التى تضم ممثلين لجميع الفصائل بالقطاع، والتى بدأت مع اليوم الثالث للاشتباك فى إصدار بيانات تأييد الجهد العسكرى الفلسطينى. لكن يبقى الأهم فى هذه الجولة؛ أن الجانب الفلسطينى تمكن من توسيع هذا الغلاف ليشمل أيضا مدن رحوفوت، وريشون لتسيون، فضلا عن اللد والرملة، ووضع مطار بن جوريون الذى لا يبتعد كثيرا عن تلك الدائرة ومن تل أبيب الكبرى فى نطاق التهديد الصاروخى المؤكد. وقد طالت بعضا من تلك البلدات صواريخ المقاومة وتمكنت من إصابة أهداف وإيقاع قتلى ومصابين، لتتجاوز بذلك الجدار الإسمنتى متعدد الطبقات الذى أقامته إسرائيل تحت سطح الأرض، على طول الحدود مع قطاع غزة، كى تحمى هذا الغلاف من وصول أنفاق المقاومة إلى البلدات والمعسكرات الإسرائيلية المحاذية للقطاع.
هنا نحن أمام اختلال كبير للأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، حتى وإن ادعت غير ذلك. فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 2008، اعتمدت تقديم امتيازات ومغريات كبيرة لسكان المستوطنات فى غلاف غزة، من أجل تشجيعهم للسكن فيها كى يمثلوا حاجزا جغرافيا وديموغرافيا بين قطاع غزة والضفة الغربية. لترسيخ الفصل الكامل الذى يمنع مستقبلا قيام دولة فلسطينية متصلة، كما تحرص إسرائيل من وجود هذا الغلاف إلى تطويق القطاع وتقييد حرية الفصائل، لتحرمهم من الوصول إلى أهداف أكثر عمقا وهو ما سقط جزئيا فى جولات سابقة، وترسخ فى هذه الجولة على نحو مؤكد. لهذا ارتفعت الأصوات المعارضة لحكومة نيتنياهو فى الساعات الأولى لتلك الحرب، تصفه بالباحث عن ترميم تآكل قدرات الردع الإسرائيلى، ذات الأصوات اعتبرت نتائج ثلاثة أيام قتال لم تخلف سوى تهجير لسكان الغلاف من بلدات ومستوطنات، ولم يهمها كثيرا اغتيال قادة الفصائل رغم ترحيبهم التقليدى طوال الوقت بمثل هذا الأداء العسكرى، الذى ينجح عادة فى استجلاب تأييدهم وتوحدهم.
الثابت أن نيتنياهو نجح مؤقتا فى تجميد حدة المعارضة بالشارع ضده، لكنه فى ذات الوقت سيحصد غلافا جديدا للقضية الفلسطينية به من الشروخ العميقة، ما لن تمكنه ووزراءه من التعامل مع قواعد الاشتباك التى أرستها تلك الجولة.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved