صوتك قطرة من آخر الليل الطويل
عزة كامل
آخر تحديث:
السبت 16 يونيو 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم أستطع مواصلة الفرجة والنظر فى مشاهد التحرش الجنسى المنتشرة على يو تيوب، فقد أطبقت جفنى من الصدمة ومن الألم، لكن هذا لم يجعل الصور تختفى من شبكية عينى وظلت تتقافز كروؤس خناجر مسنونة، لقد خرجت نساء مصر يحتججن على التحرش بأجسادهن والعبث بأعضائهن خرجن ككرة النار، نار الغضب والثأر لكرامتهن، خرجن يبحثن عن الحرية فى كل ركن وزاوية وحارة فى البيت والعمل والشارع فقابلتهن ذئاب برارى بأجساد مرتعشة وأرواح تمضغها الريح أنقض عليهن الظلام رويدا رويدا وحوطهن المتحرشون كأنه لم يبق من هدير الثورة إلا الخزى والعار.
●●●
إن استخدام الاعتداء والتحرش الجنسى ضد المتظاهرات طريقة استخدمت بكثرة فى عهد النظام البائد، ففى عام 2005 تم استئجار بلطجية لمهاهجمة صحفيات شاركن فى تظاهرة تدعو لمقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية هذه الاعتداءات استخدمت كمحاولة لترويع النساء ومنعهن من المشاركة فى الحياة العامة.
لكن النساء تعلمت بعد عقود من القهر أنه يجب أن ترفع صوتها ولم تعد تخجل من الإفصاح عن هذا الأمر، فى عام 2008 صدر حكم على شاب بالسجن ثلاث سنوات مع العمل الشاق بعد أن تعرضت الشابة نهى رشدى صالح وهو ما أدى بها إلى التوجه إلى المحكمة ورفع قضية ضده وفى نفس العام وخلال عطلة عيد الفطر، كانت مجموعات الشباب تجول فى كل الأماكن وتمارس التحرش ضد الفتيات والنساء، وبعد سنوات تطور الأمر إلى حالة التحرش الجنسى الجماعى والتى اقتربت من الاغتصاب الجماعى فى ميدان التحرير فى عز أيام ثورة 25 يناير والتى حدثت لمذيعة التليفزيون الأمريكى الشهيرة لارا لوجان والتى كانت فضيحة عالمية شوهت وأساءت لسمعة مصر وثورتها ثم محاولة الاغتصاب والتحرش الجنسى للصحفية الأوروبية فى شارع محمد محمود والاعتداء على ماريان عبده يوم الجمعة 3 يونيه 2011 المذيعة فى قناة الـ«سى تى فى».
لذلك لم يكن مستغربا أن تتشكل عدة مبادرات مصرية أهمها مدونة «اتكلمى» وهى مبادرة أطلقها مجموعة شباب مصرية بهدف نشر روايات الفتيات اللاتى تعرضن للتحرش، تقوم فكرة المبادرة على جمع شهادات الفتيات اللاتى يعانين من ظاهرة التحرش فى الشوارع المصرية ولكن يستطعن البوح بما يتعرضن له بسبب ما قد يتسبب لهن ذلك من مشكلات اجتماعية أبرزها معاملة الفتاة على أنها جانية وليست ضحية، وفى 16 مايو 2012 قررت مجموعة من المصريات التصدى للتحرش الجنسى فى شوارع مصر من خلال سلاسل بشرية رافعة شعارات ضد التحرش بدأت فى شارع جامعة الدول العربية.
إن الخطاب السائد يعيد المرأة الى المجال الخاص قسرا ففى البرلمان نجد التيار الأصولى والسلفى مشغولين بسن قوانين ترتكز على سلب حقوق المرأة وعلى حصر دورها فى الدور الإنجابى الذى يشمل الأسرة ورعاية الابناء وايضا تقييد جسدها وإخضاعه للرجل (ختان الإناث، الزواج المبكر)، إن جل همهم فى البرلمان هو كيفية وضع مزيد من الضوابط الفقهية فى التشريع لتقييد حركة المرأة والطاعة العمياء لزوجها وولى أمرها أكثر من مطالبتهم باحترام وتدعيم حقوقها ويدعم هذا الخطاب الدينى والأصولى الصادر من فتاوى شيوخ هذا التيار بل ايضا من نسائه، ألم تتهم منال أبوالحسن أمينة لجنة المرأة بحزب الحرية والعدالة، النساء المشاركات فى مسيرة حرائر مصر التى جاءت فى أعقاب سحل الفتاة المصرية فى ميدان التحرير على أيدى عناصر الجيش، بأنهن ممولات من الخارج لتحقيق أجندات خاصة وقالت فى حوارها مع الشرق الأوسط فى القاهرة إنه عندما تسير للمرأة للدفاع عن حقها فهذا امتهان لكرامتها، أليس لها زوج أو أخ أو دين يدافع عنها.
●●●
ألم تجأر عزة الجرف نائبة مجلس الشعب وممثلة حزب الحرية والعدالة بعلو صوتها أن المسئول عن التحرش الجنسى هى المرأة نفسها، ومع هذه التصريحات المعادية للكرامة الانسانية للنساء لا نستغرب أن تأتى الجمعية التأسيسية بسبعة أعضاء من النساء ضاربة عرض الحائط بمطالب التحالفات النسوية بأن يتم تمثيل النساء من جميع التخصصات بنسبة وجودهن فى المجتمع.
إن صعود الأصولية الدينية يمثل حركة سياسية تسعى إلى فرض أفكار صارمة حول الهوية والثقافة والدين وتنظر هذه الحركات إلى النساء باعتبارهن حارسات ورموزا للتراث الثقافى والدين، من ثم فإن السيطرة على النساء وتحديد دورهن فى إطار تقليدى ضيق هو أمر جوهرى بالنسبة للسياسات الاصولية وبالتالى فان النساء اللاتى يرفعن أصواتهن ضد العنف المنزلى أو التحرش الجنسى أو الاغتصاب داخل مجتمعاتهن عادة ما يتم إسكانهن لأن نضالهن يرى باعتباره تهديدا لرجال المجتمع أو المجتمع برمته.
كثير من الفتيات طلبا للأمان ارتدين الحجاب كخط دفاع ضد التحرش والاعتداء الجنسى لكن هذا لم يقلل من حوادث الاغتصاب والتحرش، وقد لا نستغرب أن تطلق موسوعة جينس قريبا على القاهرة عاصمة التحرش الجنسى الأولى فى العالم.
عادة ما تقوم الدولة ذاتها بمنع أو وضع العوائق أمام المشاركة السياسية للمرأة، وذلك من خلال ما تمارسة هيئاتها أو مسئوليها من عنف، فتتعرض النساء للسجن أو التعذيب أو الاغتصاب أو كشف العذرية نتيجة لممارستهن الإحتجاج ضد سياسات الحكومة. فلا يمكن أن ننسى ما تم من اعتداء على النساء والبنات فى التحرير فى 9 مارس 2011 وتعذيبهن عن طريق ضربهن وقهرهن وتعريتهن وتصويرهن عن طريق عساكر وتم توقيع عليهم ما يسمى بكشف العذرية بالإضافة للهجوم الذى شنتة قوات الأمن فى ديسمبر الماضى عندما تم الاعتداء على 8 فتيات من المتظاهرات وتم التحرش بهن بعد أن احتجزوا فى مبنى البرلمان وهو امتداد لدور الدولة والعسكر فى انتاج وانتشار الفكر السلفى والفكر الرجعى المعادى لحقوق النساء والمنقض على اجسادهن بشراهة.
وفى الشارع يلعب الفكر الذكورى دورا كبيرا فى تبرير انتهاك حرمة جسد المرأة، فبعد أن كان ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى فضاء تقف فيه النساء مع الرجال على قدم المساواة للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية أصبحت أماكن تستهدف فيها النساء للتحرش بهن جنسيا بل يصل الأمر إلى حد الاغتصاب، إن ظاهرة التحرش الجنسى فى الشوارع والميادين خلقت مناخا وثقافة لعدم الاحترام والمعاملة غير العادلة للمرأة التى أدت إلى تجريم المرأة وتبرأة الرجل على نفس الفعل مثلما حدث مع الفتاة التى تم ضبطها مع النائب السلفى على ونيس فى سيارة على طريق القليوبية فالفتاة محتجزة ويتم التحقيق معها أما الشيخ ونيس فهو حر طليق ينعم بحريته وبحصانته.
عندما يكون الخيار الأمنى هو الخيار الوحيد لكبت الحريات يغيب دور الفكر وتصبح الأرض خصبة لكل الأفكار المتطرفة والهدامة ويلتقى الفكر العسكرى مع سلفية الإسلام السياسى فى تحجيم دور النساء وقمع حريتهن وحبسهن فى نطاق جسدهن مغلفين ذلك بغطاء ايدولوجى للطاعة والإذعان، إن الثورة المصرية لن تتحقق بالكامل وتنتقل الى الحرية والتعددية والديمقراطية بدون الترسيخ فى الذهنية المصرية لمبادئ المساواة والعدل وكلاهما مرتبطان بالمرأة وحقوقها ومناهضة العنف الواقع عليها من مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية ومن المجتمع.
●●●
إن نساء مصر يقطعن الصحراء باحثات عن ظلال ونبع ماء فلا يجدن الا السراب المغموس بالكره والحقد والتعصب، يقطعن الدروب باحثات عن الأمن فلا يجدن إلا قطعان من الذئاب تتربص بهن لنهش أجسادهن، يفرفرن كالحمامات التعبى، تحاولن لملمة الألم لكنهن تعلمن ألا يرضخن سيقاومن وسيخترعن وسائل وآليات للمقاومة حتى يجعلن أصوات الغدر تخبو وسيجعلن من أجسادهن قلاعا للوطن ومن صوتهن ريحا لصد طيور الظلام.