القضاء «مسئولية ــ مبادئ ــ رجال ــ مهارات» 21ــ أنواع القضاء أ-القضاء الذاتى الاختيارى
جمال قطب
آخر تحديث:
الخميس 15 يونيو 2017 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
دين الإسلام دين إلهى المصدر نبوى البيان إنسانى النزعة واقعى التعاليم، لذلك نرى تكريم الله للإنسان عامة حيث يحفظ عليهم كرامتهم ويعلم البشر جميعا أن يقيموا من أنفسهم على أنفسهم قاضيا ذاتيا داخليا يحمل الإنسان على مراجعة نفسه وعدم تحميلها ما لا تطيق.. وهذا التكريم الإلهى للإنسان جعل القضاء متنوعا، فأولا نجد نوعين رئيسين من القضاء أولهما القضاء الذاتى يصدر من الإنسان على نفسه والنوع الآخر هو القضاء الرسمى الذى تتعدد مجالاته وتتنوع درجات التقاضى فيه.
ــ1ــ
أما عن النوع الأول وهو القضاء الذاتى، فهو قضاء الإنسان على نفسه!! نعم فالمقصود استيقاظ ضمير الإنسان وشهادته على نفسه هل يليق ما قال أو ما فعل؟ وسؤاله لنفسه: إن كان يقبل من غيره أن يقول مثلما قال هو؟ أو يرتضى فعل الآخرين معه كما فعل هو مع الناس؟ وقد أخبرنا الله جل جلاله فى القرآن الكريم أنه سبحانه سيصنع ذلك معنا يوم القيامة، أى سيطلب منا أن نحاسب أنفسنا حيث يقول تعالى: ((وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ۖ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفىٰ بنفسك اليوم عليك حسيبا)). أى أن الله قد وهب للإنسان قدرات يستطيع بها أن يحاسب نفسه، فلماذا لا يتعود المسلم إيقاظ ضميره ومحاسبة نفسه؟ ولماذا لا يتعلم من توجيهات رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم». ولأهمية هذا النوع من القضاء، فقد أتاح الله القرآن الكريم بما فيه من مواعظ وجعله مشاعا مجانا، بل فرض قراءته فى الصلوات حتى يبقى المسلم دائما مستمعا لمواعظ الله وأحكامه، فالقرآن الكريم أول رافد من روافد القضاء الذاتى حيث يسمعه الإنسان فيبادر بالرجوع إلى الحق.
ــ2ــ
ثم زادت رحمة الله بعباده حيث أنشأوا مؤسسوا للدعوة تمارس دعوة الناس إلى دوام فعل الخير، وحسبك خطبة الجمعة ودروس التعليم حيث يطلع المسلم على الحلال والحرام والصواب والخطأ، فيبادر من تلقاء نفسه إلى التراجع عن الخطأ، ويسرع إلى فعل الصواب.
ــ3ــ
وإذا كان اللجوء إلى القرآن ثم إلى المواعظ قضاء ذاتى شخصى يقوم الإنسان فيه بمراجعة نفسه فيما بينه وبين نفسه، فإن الله جل جلاله من رحمته فتح روافد أخرى للقضاء الذاتى وأولها: طلب الشورى، والمقصود به أن يسأل المسلم غيره ويسعى إلى مشاورة أهل الاختصاص فيما يريد فيبصرونه بما يجب وما له وما عليه ثم يتركونه يختار لنفسه ما يحب أن يقابل به ربه.
ــ4ــ
ومن أنواع القضاء الاختيارى طلب الاستفتاء (الفتوى) إذ يقوم المسلم ــ إذا حيره أمر ــ بالذهاب إلى المفتى ويعرض عليه موضوعه، فيتولى المفتى بيان الحلال والحرام وما يجب وما لا يجب. ويبقى على المسلم أن يتفاعل مع الفتوى بالاستجابة لها. وقد كان من أسس نظام القضاء الشرعى الذى كان سائدا فى مصر حتى عام 1954 أن يكون نائب رئيس المحكمة هو مفتى دائرة المحكمة، ومن صلاحياته هو ومساعدوه النظر فيما يعرض عليه من الدعاوى، فإذا وجد لها سوابق مطابقة اعتبرها فتوى وليست دعوى وأفتى فيها تخفيفا على القضاة.
ــ5ــ
ومن ألوان القضاء الذاتى: «عقد الصلح» إذ يسعى الطرفان المتنازعان إلى التقارب والتراخى مما يخفف الأضرار ويخفف العبىء عن القضاء والمحاكم، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك ((.. فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ۚ والصلح خير..)) فتنتهى الخصومة.
ــ6ــ
ومن أوجه القضاء الاختيارى «قضاء التحكيم» حيث يختار كل خصم حكما من طرفه ويجتمع الحكمان، فإذا لم يتوصلا إلى حل مقبول لهما، اتفق الحكمان على اختيار حكم ثالث يرجح أحد الرأيين، وبذلك يكون التحكيم نهائيا. وكل أنواع القضاء الذاتى قضاء رفيع غير مكلف نفسيا ولا وقتيا، بل ويعطى الإنسان قدرا من إحساسه بالمشاركة فى صنع القرار.