بين المفكر والفيلسوف
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 15 يونيو 2017 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب محمد رضا ذكر فيه أننا كلنا نفكر لكن هذا لا يجعلنا فلاسفة. معظمنا يتفلسف لكن هذا بدوره لا يجعل كل واحد منا فيلسوفا.
نظريتى الخاصة تقول إن العالم لن يتأثر بمخاطر البيئة٬ والطبيعة سوف تحسن الدفاع عن نفسها». هذا تفلسف وليس فلسفة٬ بصرف النظر عن خطأ أو صواب ما يعتقده القائل.
برتراند راسل عرف الفلسفة بكلمات موجزة. كثيرون منا يمشون فى اتجاهات الريح محاولين إيجاد تعريف لها٬ لكنه اكتفى بثلاث كلمات: «منهج منطقى ــ تحليلى». وذهب فيما بعد ليضع كتبا فى كل العلوم الإنسانية والفكرية الممكنة؛ لديه كتب عن العلم٬ وكتب عن المجتمع٬ وكتب تبحث فى أمور الحرب والسلم٬ بل وكتب تتحدث وتفسر ماهية السعادة.
غير أن مؤلفاته هذه تمعنت دائما فى الجانب الفلسفى التقليدى الذى تعرفنا عليه فيما توارثه العالم اليوم من تراث ابن خلدون وأفلاطون٬ واستلهمت من نظريته تلك موادها وتحليلاتها لما هدفت توفيره من معرفة ورأى فى المواضيع التى أثارتها.
وعلى الرغم من باعه مفكرا وأديبا وفيلسوفا٬ فإن الكتب التى تدور حوله اليوم بمناسبة 100 عام على ولادته٬ قلما تعنى بآرائه الفلسفية مهتمة٬ كما الحال فى كتابين حديثين صدرا لهذه المئوية٬ بحياته العامة٬ وبنضاله من أجل السلام العالمى٬ ودوره فى توفير خطط لهذه الغاية.
خلال الأسابيع الماضية٬ مباشرة بعد مهرجان «كان»٬ تمتعت ببعض الوقت الذى استغللته فى متابعة الفوارق بين نظريته الفلسفية ونظريات الآخرين الذين سبقوه. ووجدت أنه بمجرد تقديمه نظريات جديدة وتطبيقية لماهية الفلسفة٬ وكيف لنا أن نمارسها فى حياتنا اليوم٬ اختلف اختلافا جذريا (وإيجابيا)٬ وإن أّدى بالبعض لتجاهل إسهامه فى هذا الاتجاه منشغلا به مفكرا وسيرة حياة٬ وليس فيلسوفا.
بين ما راجعته من كتب متوافرة فى الموضوع كتاب أمريكى لتوم أكهورست٬ عنوانه «السياسة الثقافية للفلسفة التطبيقية».. بصراحة٬ لم أستطع سبر غور كل ما ورد فى هذا الكتاب الصادر قبل ست سنوات٬ لكنى اكتفيت بما اخترت قراءته فيه٬ سواء على صعيد تحليل إضافى لفلسفة راسل أو على صعيد التأكيد على أن الفلسفة الصحيحة لها علاقة بالمجتمع الصحيح.
الفيلسوف يحتاج إلى حرية لا توفرها النظم الديكتاتورية بالطبع، التفكير فى أيام ستالين مثلا بفارق 10 فى المائة عن تفكير الدولة٬ كان يمكن أن يؤدى بصاحبه إلى التهلكة٬ بل إن جملة من الأفلام الروسية التى أقدمت على نقد ستالين٬ ولو مواربة٬ بعد وفاته (تم إنتاج معظمها فى أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات) منعت قبل أن تتسلل إلى الغرب لتكشف ما أرادت كشفه. كيف والحال هكذا يمكن لفكر فلسفى أن ينشأ؟ الفلسفة لا بد تعنى خير الشعوب لأنها خلاصات تفكير فى الذات والمجتمع٬ وما ينبثق عنها من أفكار هى مثل فروع الشجرة تحمل الأوراق ذاتها٬ ولو أنها أصغر حجما من الجذع وما يقال عن الوضع فى روسيا الستالينية يقال عن وضع إيطاليا الموسولينية وألمانيا الهتلرية. هذا يفسر لماذا يوجد هناك كتّاب ومفكرون من وزن برتراند راسل فى أمريكا وبريطانيا أكثر من أى مكان آخر على وجه الأرض.
هذا وحده لا يعنى أن التخبط فى تعريف الفلسفة٬ والتفريق بين الفكر وبينها٬ قد توقف. والرجوع إلى كتابات برتراند راسل٬ المولود قبل 100 سنة٬ حافلة بالمفاهيم المختلفة٬ ضرورية لصياغة رؤية صحيحة للعالم الذى نعيش فيه.
الشرق الأوسط ــ لندن