انتخابات العراق 2018: الحريق والانهيار!

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الجمعة 15 يونيو 2018 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع السفير العربى مقالا للكاتبة «صفاء خلف» عن تداعيات الانتخابات العراقية، جاء فيه أن الانتخابات النيابية، بنسختها الرابعة فى العراق، أفرزت واقعا سياسيا جديدا يتعلق بنمط الانقسام الذى أشار إلى فشل «العملية السياسية» القائمة منذ العام 2003 والتى لم تفلح فى ترسيخ «الديمقراطية» باعتبارها واقعة طبيعية محمية بالدستور والوعى الشعبى والنظام الحاكم، على الرغم من انقضاء 15 عاما، وأظهر أنها عملية تُسير بـ«الأزمات». أما تداول السلطة، فكان شكلا من أشكال تدوير انعدام النظام.

وقد استهلت الكاتبة حديثها بالإشارة إلى أن اثنتين من النسخ الثلاث الفائتة جرت بضغط أمريكى مباشر لإسناد الخروج من حقبة صدام حسين وتبرير الغزو العسكرى، فيما كانت النسخة الثالثة انعكاسا للاستئثار بالسلطة فى ظل التشتت الطائفى وتوزع العراقيين على خنادق الانقسام المذهبى.

الانتخابات النيابية لعام 2010 أفرزت واقعا جديدا أيضا، كان بمثابة انقلاب بحراب نظيفة على الفائز انتخابيا، واستعملت فيها أدوات كارثية لتكريس السلطة لدى مكون بعينه وقضت على مبدأ «التداول السلمى» للسلطة.

السلاح يختطف التجربة
فى الانتخابات النيابية الأخيرة مايو 2018 لم تؤسس العملية السياسية إطارا واضحا للقوى المتصارعة على السلطة، ولم تحقق شرطها الموضوعى بتخليق كيانات حزبية على نحو يضمن الاستقرار. فحالة الانقسام باتت على أشدها، وانتقلت هذه المرة إلى الساحة الفئوية الضيقة.

أبرز إفرازات مرحلة ما بعد المالكى هو تحول الفصائل المسلحة المدعومة إيرانيا من جماعات صغيرة ذات تأثير محدود، إلى جماعات تملك نفوذا كبيرا على الأرض، حتى باتت موازية لقوة الدولة.

العراق.. التجربة الحزبية «الرثة»
نجحت تلك المجموعات فى اختراق الدستور وقانون الأحزاب الذى «يُحرم» على الجماعات المسلحة التدخل السياسى والمشاركة فى الانتخابات. لكن حيل «العملية السياسية» المرنة والهشة ابتدعت تفسيرا كارثيا آخر، مشابها لتفسير المحكمة الاتحادية فى العام 2010، فعملت حكومة السلطة على إقرار «قانون الحشد الشعبى» الصورى الذى أمن غطاء قانونيا لتحافظ تلك المجموعات على سلاحها وتضمن سطوتها فى حلبة التنافس.

وإزاء هذه القوة الجديدة، تراجعت حظوظ القوى التقليدية على الساحة الشيعية، كمؤشر واضح على أن فكرة التنظيمات الحزبية تساوى صفرا فى معادلة إعادة التموضع والنفوذ فى العراق، بلا سطوة السلاح الخارج عن الدولة.

خسرت القوى الشيعية التقليدية الكثير من مراكز قواها لصالح الجماعات المسلحة، وباتت اللوائح والقوى التقليدية التى تنجذب لبعضها فى كل نسخة انتخابية، بمستوى متدنٍ من الشعبية، فيما القوى السُنية واجهت معضلة موجعة بسبب أن الجسم الأصلى لناخبيها بات موزعا على نحو 91 مخيما للنزوح، والمدن الرئيسية باتت مدمرة، والحالة الطبيعية لاستجابة الجمهور كانت معدومة، فضلا عن تشظى القوى السياسية وسقوط الواجهات الطائفية التى كانت تمثل «الحلم السُنى» بموازنة الهيمنة الشيعية. وانجذبت لاستقطاب الإقليمى، ميلا إلى طهران أو أنقرة أو الرياض أو أبو ظبى أو الدوحة. وبالطبع فإن واشنطن تملك فصيلها السنى أيضا، كما فصيلها الشيعى.

وعلى المقسم الكردى، دمرت خطوة الاستفتاء على الانفصال وتداعياتها قاعدة الثقة عند الجمهور فى الإقليم، وعززت من القناعة بأن الأحزاب التقليدية أيضا ستستمر فى الأخطاء ذاتها إن لم يتم تفكيكها.

بالطبع، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، كان الفساد سيدا مهابا لم تمس سلطته العميقة، وغالبية محاولات تحجيم تلك السلطة كانت تذوب فى سائل الخلل العميق فى الدولة العراقية بكاملها وتتبخر الآمال بـ«ثورة إصلاحية» تعيد التوازن إلى بلد منهار.

المقاطعة والتزوير: الانهيار والكارثة
المفاجأة التى لم تكن بحسبان القوى المتنافسة، والتى كانت تعول على تسويف التزوير عبر نسبة مشاركة الناخبين المرتفعة التى من شأنها خلق توازن بين الأصوات الصحيحة والمزورة.. المفاجأة كانت إذا فى أن نسبة الإقبال والمشاركة فى الانتخابات كانت متدنية جدا، ولم تتعد 30 فى المائة فى عموم البلاد بمعنى أن أقل من 5 ملايين ناخب فقط توجهوا إلى مراكز الاقتراع من أصل 24 مليونا. فيما لم تعلن المفوضية عن الأوراق غير الصحيحة!

وما يعنى أيضا أن الأصوات الصحيحة الموضوعة بتلك الصناديق المحروسة بالأقفال الالكترونية، كانت أصوات جمهور القوى والاصوات المُشتراة.. وأى محاولة تزوير ستنكشف نظرا لمعرفة أحجام كل جماعة سياسية.

عاملان أساسيان كشفا مهزلة الانتخابات العراقية 2018، الأول: نسبة التصويت المنخفضة جدا على الرغم من إعلان المفوضية أنها كانت 44.52 فى المائة، وهو تزوير لجهة أن المفوضية احتسبت نسبة التصويت الخاص (القوى الأمنية + ناخبى الخارج) كنسبة موازية لنسبة التصويت العام، لا كنسبة ضئيلة تمثل 800 ألف ناخب فقط هم المشاركين الفعليين.

كانت القوى المتصارعة على دراية دقيقة بآليات التصويت الإلكترونى فتسربت الثغرات، حتى أن بعضها اشترى أجهزة مشابهة لأجهزة الاقتراع الإلكترونية، واختبر طرق التزوير عليها، فيما استقدمت قوى أخرى فرقا لتقنيين من خارج البلاد للتدخل فى تغيير المعطيات الانتخابية. وحجم التزوير الذى كشفت عنه لجان التحقيق الحكومية والنيابية وإشارات المفوضية، كان هائلا وتجاوز مليون بطاقة انتخابية فى عموم البلاد.

المشاركة المتدنية ــ لعبت الدعوة إلى المقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعى دورا فيها ــ لم تسمح إذا بالتغطية على عملية التزوير، كما أن التعديل الجديد لقانون الانتخابات ألغى ما كان يعرف بـ«المقاعد التعويضية»، أى تلك المقاعد التى هى بالأساس لقوى صغيرة لم تستطع الوصول إلى «العتبة الانتخابية» فتضاف أصواتها إلى أصوات القوائم الكبيرة ذات الأصوات الأعلى «منعا لهدر أصوات الناخبين!».

العامل الثانى: أن القوى المتصارعة فقدت غالبية وجوهها القيادية المهيمنة على صنع القرارات بمجلس النواب، فضلا عن ارتباطها بالمشغلين الإقليميين وأبرزهم طهران وأنقرة، اللتان خسرتا رجالهما المخلصين هناك، وبات المشهد خاليا من رموز إدارة الصراع السياسى والفساد والتصعيد الطائفى، حتى بلغ عدد النواب الخاسرين نحو 100 نائب، ما دفع القوى الخاسرة ومشغليها الإقليميين إلى قلب الصندوق على رأس «العملية السياسية»، والذهاب إلى خطوة تصعيدية خطرة، تتمثل بتجميد مفوضية الانتخابات وإعادة عد وفرز جميع الأصوات التى تدعى المفوضية أنها أكثر من 10 ملايين صوت صحيح بقليل، بانتداب هيئة قضائية، وإلغاء نتائج التسريع الإلكترونى بالمطلق، وإلغاء التصويت الخاص، بعد إقرار التعديل الثالث لقانون انتخابات العام 2018.

حريق بغداد: شرارة البركان
بالطبع، لا تحالفات مجدية لتشكيل ما يعرف بـ«الكتلة الكبرى» التى تكلَف بتشكيل الحكومة المقبلة، فالنتائج التى على أساسها تمت مشاورات ما قبل الانقلاب النيابى، كانت ستتغير عند نتائج العد والفرز اليدوى، ولربما تتقدم قائمة ما على أخرى وتشعل صراعا يصل إلى الصدام المسلح. لذا جاء حريق الأوراق الانتخابية ببغداد يستعجل الصدام. ولا يمكن على وجه التحديد معرفة نتائج إبطال العملية الانتخابية وإحراق أدلتها، سوى أن المتنافسين أرغموا على الذهاب إلى الخطوة الأعنف لتفادى انكشاف الخلل والتزوير وتغير موازين القوى الضابطة واحتدام الصراع بين المشغلين الإقليميين بعد فشل التسوية وفرض إرادة إزاء أخرى. لذا سيكون الخيار الأكثر معقولية والأقل عنفا، عقد انتخابات جديدة فى ديسمبر المقبل بالتزامن مع انتخابات مجالس المحافظات.

فى النهاية تضيف الكاتبة أنه لا يمكن أن يكون حريق بغداد مصادفة. فالصراع على السلطة بين المتنافسين سيذهب إلى أبعد من حريق لتضييع دلائل التزوير‬، ولضمان حيازة السلطة‬ مجددا والاستمرار فى خداع العراقيين بـ«عملية سياسية» أشبه بإدارة مزرعة إقطاعية، هى بالأصل صنيعة ليست بالمصادفة. هذا الحريق يدلل على أن المتنافسين لديهم كامل النية بإحراق البلد كله إن مست مصالحهم.

حريق بغداد أحرق عملية سياسية فاشلة وفاسدة منذ 15 عاما، وهو نتيجة لانعدام «الدولة» منذ تأسيس العراق الحديث، ولانعدام الحالة الوطنية كذلك، وهو نتيجة مباشرة للفساد والتحايل والإفلات من العقاب بظل انعدام مؤسسات حقيقية ومجتمع واع لحجم الكارثة.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved