هل أتاك حديث الشعراوى؟
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 15 يونيو 2019 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
رغم محاولات محوها، إلا أن ذاكرة جيلنا مازالت تحتفظ بتفاصيل الأزمة التى أعقبت ظهور الشيخ محمد متولى الشعراوى نهايات ثمانينيات القرن الماضى مع رئيس مجلس إدارة شركة «الهدى مصر» لتوظيف الأموال التى كانت تمتلكها المرأة الحديدية هدى عبدالمنعم.
كانت الصحف قد تداولت نبأ اتفاق الشعراوى على توقيع عقد عمل كرئيس لمجلس إداراة «الهدى مصر»، وبحسب ما نشر حينها فإن الهجوم الذى تعرض له إمام الدعاة دفعه إلى التراجع عن الاتفاق، إلا أن ذلك لا ينفى حقيقة أن الشيخ دعم شركات توظيف الأموال عبر فتوى تحرم أموال فوائد البنوك وتحلل أرباح تلك الشركات.
انتهى الأمر إلى ضياع مدخرات المصريين الذين وثقوا فى الشيخ الجليل وغيره من مشايخ تلك الفترة بعد أن ضارب الريان والسعد وهدى عبدالمنعم بأموال الغلابة فى البورصات الأجنبية، ووزعوا ما تبقى منها على كشوف البركة.
تذكرت تلك الواقعة بعد حديث للشيخ خالد الجندى عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية اتهم فيه منتقدى الشعراوى وحسبهم على «أهل الشر»، واصفا الشيخ الراحل بأنه من «أهرامات العالم وليس من أهرامات مصر فقط، وأن النيل منه هو نيل من مصر».
هاجم الجندى من تعاملوا مع الشعراوى على أنه «بشر يخطئ ويصيب»، قائلا لهم: «قطعت ألسنتكم وشلت أيديكم، وكبت الله مكائدكم وردكم الله على أعقابكم خائبين وخاسئين».
دفاع الجندى عن الشعراوى، رحمه الله، جاء على خلفية معركة بين مؤيدى الشيخ ومعارضيه على مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأسبوع المنقضى.
بلغت تلك المعركة ذروتها بتدوينة للزميل إبراهيم عيسى أعاد فيها نقل ما نشره فى كتابه «أفكار مهددة بالقتل» الصادر عام 1994، ووصف فيه الشعراوى بأنه رجل «يمثل مجموعة من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم»، وأنه ــ أى عيسى ــ لم يصادف رجلا مثل الشعراوى يستخدم كل المنح الربانية التى أنعم بها عليه فيما يخدم التطرف».
ويكمل عيسى ما جاء على غلاف كتابه عن الشعراوى قائلا: «فحين أراه مخطئًا ــ أو حين أرانى مختلفًا معه ــ أسارع وأعترض وأفنّد وأناقش وأحيانًا أهاجم. بل والحق يقال إن الرجل بكل ما يقوله ويزعمه أحيانًا يدفعنى دفعًا إلى الخلاف معه».
قامت الدنيا ولم تقعد بعد تدوينة عيسى التى نشرت لأول مرة على حياة عين الشعراوى، ودشنت حملات للدفاع عن «إمام الدعاة» كما يحلو لمؤيديه أن يطلقوا عليه، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن الإسلام لم يأمر بإضفاء القداسة على أحد مهما بلغ من علم أو دين، فأبوبكر الصديق، رضى الله عنه، وهو من هو، بدأ ولايته بخطبة من على منبر رسول الله قال فيها «إن رأيتمونى على باطل فسددونى»، ولم يغضب عمر بن الخطاب عندما قاطعته امرأة لتصوبه فى كلمة عن مهور النساء، بل أقر بخطئه على الملأ وقال قولته المشهورة «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
الشعراوى ليس أقرب إلى الله من أبوبكر أو عمر، والإمام مالك رضى الله عنه قال «كلٌ يؤخذ من كلامه ويُرد عليه الا صاحب هذا القبر»، قاصدا إنه لا عصمة لأحد من الصحابة أو التابعين، وأن صاحب العصمة هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم فقط، فما بالك بالشعراوى الذى تولى ابنه رئاسة مجمع البحوث الاسلامية فى الأزهر، رغم عدم حصوله على الدكتوراه ولم تكن له مؤلفات أو بحوث تؤهله للمنصب.
نسى دراويش الشعراوى الذين انتفضوا ليهاجموا منتقديه، أن الشيخ الجليل رفع التكليف عن الرئيس المؤمن محمد أنور السادات عندما كان وزيره للأوقاف ودافع عنه تحت قبة البرلمان قائلا: «والذى نفسى بيده، لو كان لى فى الأمر شىء لحكمت للرجل الذى رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا إلى القمة ألا يُسأل عما يفعل»، فطلب منه أحد نواب حزب الوفد حينها الاستعاذة بالله لأن الوحيد الذى لا يسأل عما يفعل هو الله وهو ما رفضه الشعراوى مدعيا أنه يعرف الله أكثر من النائب.
لقد ادعى هؤلاء أن أهل الشر والجماعات الإرهابية تشارك فى الهجوم على شيخهم، وأغفلوا أو تغافلوا أن إمام الدعاة كانت له فتاوى تتطابق مع أفكار دعاة تلك الجماعات، فيما يخص مودة المسيحيين أو خروج المرأة للعمل، فضلا عن تحريمه لأموال البنوك واستحلاله للمرابحة مع شركات توظيف الأموال التى أكلت أموال الناس بغير حق.
لا ينكر أحد على الرجل براعته فى جذب الجماهير إليه عبر تبسيطه لتفسير القرآن الكريم، لكنه كان بشرا وليس نبيا معصوما، وبالتالى فمن حق أصحاب الرأى أن يكون لهم فيه رأى حتى ولو كان صادما.