القمة الأمريكية الروسية وذكريات قمة سابقة
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الثلاثاء 15 يونيو 2021 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
تنعقد هذه الأيام القمة الأمريكية الروسية بين الرئيسين الأمريكى «جو بايدن»، القادم من الحزب الديمقراطى الأمريكى، والروسى «فلاديمير بوتين» فى مدينة جنيف السويسرية. ولهذه القمة بالتأكيد أهميتها البالغة كأول لقاء بين الرئيسين، رئيسى اثنتين من الدول الكبرى فى عالم اليوم إحداهما هى القوة العظمى الأولى فى عالمنا حاليا والدولة الأخرى هى قوة كبرى اليوم ووريثة القوة العظمى الأخرى فى زمن الحرب الباردة. ولكن كونها تنعقد فى مدينة جنيف السويسرية، أعاد إلى أذهان الكثيرين ذكريات قمة تاريخية انعقدت فى نوفمبر 1985 بين الزعيمين الأمريكى الراحل «رونالد ريجان»، والذى كان قادما فى ذلك الوقت من الحزب الجمهورى الأمريكى، والسوفيتى «ميخائيل جورباتشوف»، وكان لها تداعيات مزلزلة على الصعيد العالمى فى ذلك الوقت، خاصة أن القمتين انعقدتا فى نفس المكان: مدينة جنيف، ذات التاريخ الطويل فى استضافة القمم والمؤتمرات والاجتماعات العالمية التاريخية المهمة، والتى هى جزء من الاتحاد السويسرى، ذلك البلد الواقع فى وسط أوروبا والمشهور عنه الحياد منذ قرون عدة.
وبالإضافة إلى أنه مضى على قمة ريجان / جورباتشوف ما يزيد على ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمان، فإن المشهد العالمى بأسره قد تغير، بل تبدل فى الكثير من جوانبه، ما بين القمتين بل والزمنين، وبالتالى فربما تكون أوجه التشابه قليلة فيما بين الحدثين، إلا أن البعض ما زال يأمل أن توحى القمة السابقة للقمة الحالية بأن تكون نتائجها على نفس الدرجة من التأثير الجذرى فى رسم خريطة العالم والتفاعلات الدولية فى الفترة القادمة، كما كانت قمة 1985 آنذاك فيما تمخض عنها من نتائج كانت بداياتها تكمن فى الانتهاء الفعلى للحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعى فى عدد من بلدان شرق ووسط أوروبا بقيادة الاتحاد السوفيتى السابق والرأسمالى فى بلدان أوروبا الغربية وبعض بلدان وسط أوروبا وبلدان أمريكا الشمالية واليابان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وإن استمرت التداعيات وتواصلت وتصاعدت لفترة زمنية تالية لانتهاء أعمال القمة المذكورة.
وكانت قمة ريجان / جورباتشوف التى جرت فى نوفمبر 1985 قد خلصت إلى تفاهمات غطت العديد من مناحى الشئون العالمية، وأعادت إلى الأذهان، بدورها، إنجازات تحققت بعد قمة الزعيمين الأمريكى «ريتشارد نيكسون» والسوفيتى «ليونيد بريجنيف»، والتى كانت قد انعقدت خلال زيارة نيكسون لموسكو فى مايو 1972، وأسفرت عن توقيع الزعيمين الأمريكى والسوفيتى على معاهدة الحد من نشر منظومة الدرع الصاروخية، والاتفاقية المؤقتة الخاصة ببعض الإجراءات فى مجال الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، وكذا أسس الزعيمان لبشائر بدايات علاقات اقتصادية بين البلدين، وقد لعبت قمة 1985 دورا كبيرا فى إحياء مسارات نزع السلاح وتخفيض حدة سباق التسلح عن طريق العودة إلى اتفاقات تعمل فى اتجاه استئناف التحكم فى سباق التسلح، سواء على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين أو على صعيد العلاقات الدولية، وكذلك تفعيل توافقات سابقة فى مجال حقوق الإنسان تحققت فى إطار اتفاقيات هلسنكى فى مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين، وذلك فى أعقاب تبنى القوتين الأعظم فى ذلك الوقت سياسة أطلق عليها الأمريكيون حينذاك تعبير «الوفاق» وأطلق عليها السوفييت تعبير «الانفراج»، وأخيرا وليس آخرا شهدت قمة 1985 حالة من الانفراج النسبى فى العقوبات الأمريكية والغربية فى المجالات الاقتصادية والتجارية ونقل التكنولوجيا التى كانت مفروضة على الاتحاد السوفيتى لعقود طويلة فى زمن الحرب الباردة.
إلا أن البيئة المحيطة بقمة 1985 بين ريجان وجورباتشوف، سواء ما سبقها أو صاحبها أو حتى أعقبها من تحولات وتطورات، كانت بدورها أيضا مواتية للتوصل إلى تلك التفاهمات بمعنى أنها مهدت الأجواء لنجاحها والتغييرات التى أدت إليها، حيث كان الزعيم السوفيتى قد تبنى لتوه مسارين مستجدين على الساحة السوفيتية، أما المسار الأول فكان سياسة «البريسترويكا»، والتى عنيت بإجراء تغييرات اقتصادية جذرية فى النظام السوفيتى من خلال إدخال آليات العرض والطلب وإفساح المجال لعمل توازنات السوق وتشجيع المبادرة الفردية وتوفير ظروف مواتية لعمل القطاع الخاص، بينما كان المسار الثانى الموازى للأول هو سياسة «الجلاسنوست»، أى الانفتاح السياسى وهو الأمر الذى عنى فتح المجال بشكل كبير أمام إطلاق الحريات الفردية وحقوق الإنسان فى الاتحاد السوفيتى والسعى لدفع الديمقراطية السياسية داخل الحزب الشيوعى السوفيتى ذاته، وهو ما توسع لاحقا وصولا إلى أن يصبح قبولا وإقرارا فعليا بتعددية سياسية فى البلاد آنذاك، وهذه التحولات ساهمت بالتأكيد فى تحقيق التقارب الذى جسدته قمة جنيف فى نوفمبر 1985 بين ريجان وجورباتشوف.
والسؤال الهام الذى يطرح نفسه بقوة الآن هو إلى أى مدى ستكون أوجه التشابه أو الاختلاف بين تأثيرات قمة ريجان / جورباتشوف فى نوفمبر 1985 وقمة بايدن / بوتين فى يونيو 2021، وحجم التأثير ومقدار عمقه وجذريته على المشهد العالمى ككل وعلى العلاقات بين الدولتين، مع الأخذ فى الاعتبار بالتأكيد أن الصراع الأيديولوجى فى زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة قد غادر ساحة المشهد وترك المجال اليوم لتباينات وتنافس فى المصالح والمواقف بين واشنطون وموسكو فى زمن أزمة فيروس كورونا المستجد والتمهيد لما بعد تلك الأزمة وعلاقة ذلك كله بالطورين الراهن والقادم من حالة العولمة.