أزمة أوكرانيا تصل شمال إفريقيا
معتمر أمين
آخر تحديث:
الأربعاء 15 يونيو 2022 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
تغير موقف إسبانيا تجاه قضية الصحراء الغربية فى مارس الماضى بعد عقود من الحياد حول مصير المستعمرة الإسبانية السابقة. وجاء هذا التحول انحيازا للخطة التى قدمتها المغرب والتى تتبنى حلا للحكم الذاتى فى الصحراء الغربية. وهذا الحل لا توافق عليه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب المعروفة باسم البوليساريو، والتى تقود مواجهات ضد سيادة المغرب منذ عام 1971 فى تلك المنطقة. وتساند الجزائر حق الصحراء الغربية وموقف الجبهة الذى ينادى بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة وإجراء استفتاء حول تقرير المصير. وردت الجزائر على عدم الحياد الإسبانى، بتعليق «معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون» بين البلدين المبرمة منذ عام 2002. إلى هنا يبدو الأمر متعلقا بالمغرب العربى وبعيدا كل البعد عن أزمة أوكرانيا، ولكن التوقيت الذى ردت فيه الجزائر، حيث تمهلت على مدى شهرى إبريل ومايو قبل أن تعلن ردها يوم 8 يونيو الحالى بتعليق اتفاق الصداقة، جاء ذلك بعد عشرة أيام من زيارة وزير الخارجية الروسى لافروف إلى الجزائر واجتماعه مع الرئيس الجزائرى.
وتعليقا على الزيارة ولقاء المسئولين الجزائريين، قال لافروف فى المؤتمر الصحفى: «أكدنا أن علاقاتنا منذ سنوات طويلة تقوم على إعلان الشراكة الاستراتيجية الذى وقعه الرؤساء فى عام 2001. ومنذ ذلك الحين، تطورت علاقاتنا بشكل مكثف للغاية، بطريقة شبيهة بالشراكة حقا، وتم تطويرها بشكل استراتيجى فى عدد من المجالات». تجدر الإشارة فى حديث لافروف إلى اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. أضاف لافروف: «لقد توصلنا إلى استنتاج، وهذا بمبادرة من الجانب الجزائرى، مفاده أن علاقاتنا تصل إلى مستوى جديد ويجب تسجيل ذلك فى وثيقة جديدة بدأنا فى الإعداد لها. ونتوقع أنه خلال زيارة الرئيس تبون لروسيا، بناء على دعوة الرئيس بوتين، سنوقع مثل هذه الوثيقة الجديدة». لاحظ أن التطور يجرى بطلب من الجزائر. ولكن لماذا تريد الجزائر مثل هذا التطور، لاسيما بعد التدهور الأخير مع إسبانيا؟ وللإجابة عن هذا السؤال نعود لنهاية عام 2020 عندما قررت المغرب إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل بوساطة إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، والذى كتب سلسلة تغريدات حول ترحيب بلاده بالاتفاق وأعلن أنه وقع إعلانا يعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وهو ما فهم منه صانع السياسة الجزائرية أن موقف المغرب تقدم بخطوة إن لم يكن بخطوات.
• • •
تدهور العلاقات بين الجزائر والمغرب شهد عدة أصعدة، منها اتهام جزائرى للمغرب فى صيف 2021 باستعمال برامج تجسس على المسئولين الجزائريين. ومنها اعتراض الجزائر على التقارب المغربى الإسرائيلى فى مجال الدفاع فى خريف 2021. وشددت الجزائر من سياساتها ضد المغرب كرد فعل متوقع، فأوقفت ضخ الغاز الجزائرى بنهاية أكتوبر 2021 فى خط أنابيب المغرب العربى ــ أوروبا الذى ينتهى فى إسبانيا. ولكن هل ستوقف الجزائر ضخ الغاز لإسبانيا نفسها عبر خط ميدغاز الرابط مباشرة بينها وبين إسبانيا؟ إلى الآن رجح وزير الخارجية الإسبانى استمرار ضخ الغاز بدون توقف. ويأتى هذا الزعم بالرغم من تجميد عمليات التجارة الخارجية الجزائرية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا اعتبارا من 9 يونيو 2022. وبالتالى ليس هذا بأمر مستبعد، فلقد أعلنت الجزائر شكوكها بنهاية إبريل 2022 بأن كمية من الغاز الجزائرى المصدرة إلى إسبانيا، تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها فى العقود ــ تقصد إلى المغرب. وهذا يعد إخلالا بالالتزامات التعاقدية، وقد تفضى بالتالى إلى فسخ العقد. وردت إسبانيا فورا بأنها لن تعيد بيع الغاز الجزائرى لجهة أخرى. ولو فعلتها الجزائر وأوقفت ضخ الغاز عبر خط ميدغاز، لضغطت على الاتحاد الأوروبى، الذى يتألم من تبعات ارتفاع أسعار الطاقة بالفعل بعد العملية الروسية فى أوكرانيا. علما بأن الجزائر تملك بدائل لتصدير الطاقة، منها خط الأنابيب عبر المتوسط لتصدير الغاز الطبيعى عبر تونس إلى إيطاليا، وخط غالسى الجديد لتصدير الغاز مباشرة إلى إيطاليا والمتوقع دخوله الخدمة فى العام الجارى.
هذا الفتور الإسبانى الجزائرى له تداعيات إضافية على منظومة الأمن الأوروبى تمس مسألة الهجرة غير الشرعية، حيث تعد جزر البليار الإسبانية واحدة من المحطات المفضلة لدى المهاجرين غير الشرعيين. وخلال الأسبوع الثانى من يونيو وصل 113 مهاجرا إلى الجزر الإسبانية، ولذلك صرحت إسبانيا بأنها لن تقبل باستعمال سلاح الهجرة كورقة ضغط ضدها. ودخل الاتحاد الأوروبى لوقف حالة التدهور فى العلاقات مع الجزائر، وأصدر بيانا أعرب فيه عن قلقه واعتبر الإجراءات الجزائرية تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبى والجزائر، خصوصا فى مجال التجارة والاستثمار. ورأى الاتحاد أن ممارسة الجزائر ضد إسبانيا فيها تمييز وضرر ضد دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى. كما لوح باستعداده لمعارضة أى نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو. وأعربت الجزائر يوم 11 يونيو الحالى عن استيائها من بيان الاتحاد الأوروبى، واعتبرت أن المفوضية الأوروبية تسرعت فى الإدلاء بموقف بدون تشاور مع الجزائر. وأكدت الجزائر أن تعليقها لاتفاق سياسى مع دولة أوروبية لا يعد تغييرا شاملا فى موقف الجزائر من العلاقة الاقتصادية، والتجارية مع الاتحاد الأوروبى. ثم عاد الاتحاد الأوروبى وأكد أنه يفضل الحلول الدبلوماسية للتغلب على أى فتور فى العلاقات بين أى دولة عضو بالاتحاد وبين الجزائر. ومن ثم هدأت الأمور نسبيا ولو إلى حين.
• • •
وبصورة عامة، تغير الموقف الإقليمى فى المغرب العربى المدفوع بسياسة أمريكية يدفع بملف التطبيع العربى الإسرائيلى، واستغلال بعض الدول العربية لهذا الدفع لجنى مكاسب إقليمية تعزز من نهجها السياسى لاسيما الخارجى، وحالة الفتور التى تتسع فى العلاقات الجزائرية الإسبانية، التى استوجبت تصعيدا فى لغة الدبلوماسية الأوروبية تجاه الجزائر، كلها تصب فى صالح مزيد من التقارب الجزائرى الروسى. علما بأن العلاقات بين الجزائر وروسيا ليست وليدة اللحظة، أو رهن المصلحة الآنية، بل هى علاقات تاريخية وثيقة بين الجانبين لم تتغير بانهيار الاتحاد السوفيتى، ولكنها استمرت بنفس درجة التقارب. والآن تدفع تداعيات أزمة أوكرانيا لمزيد من التقارب بين الجانبين، حيث يأتى التقارب لصالح روسيا فى تعضيد علاقاتها مع الدول الصديقة التقليدية لمنع انتشار العزلة السياسية المفروضة عليها من الغرب. أما فى حالة الجزائر فأنه يأتى لموازنة السياسات الإقليمية التى تحاصر سياسة الجزائر الخارجية فى مجالها الحيوى. وبسبب الموقع الجغرافى لكل من روسيا والجزائر حول أوروبا، ولكونهما من أهم مصدرى الطاقة إلى الاتحاد الأوروبى، فإن مجرد تنسيق السياسات بين روسيا والجزائر يحمل فى طياته مخاطر لابد أن يتحسب لها الاتحاد الأوروبى. واختصارا نقول، أن التداعيات طويلة الأمد للعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا لازالت تتوسع، وقد تصل إلى قلب الشرق الأوسط.