أفراح الثانوية
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 15 يوليه 2019 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
أجيال وراء أجيال، ويظل ماراثون الثانوية العامة نقطة فاصلة فى مسيرة الانطلاق إلى المستقبل عبر رحلة تعليمية لا تزال قواعدها شبه ثابتة ضمن سباق يخوضه الطلاب والآباء معًا بحثا عن حراك اجتماعى يبقى التعليم مفتاحه الأساسى على الرغم من متغيرات كثيرة جرت فى نهر الحياة المصرية فى الربع الأخير من القرن العشرين وما تلاه من سنوات.
دفعة جديدة من طلاب يأملون مع أولياء أمورهم فى غد أفضل، لتأمين لقمة عيش بات الصراع عليها ضاريا فى ظل منظومة مادية لا ترحم، وغياب لمعايير موضوعية تضمن منافسة شريفة تقضى على عيوب متراكمة عبر عصور متوالية للوساطة والمحسوبية، ومع ذلك تبقى الثانوية العامة العنوان الأهم لكل الأحلام.
عشرة أشهر أو أكثر يلهث فيها الطلاب، ويعانى فيها الآباء، قبل أن تحط الحرب أوزارها، وتعلن وزارة التربية والتعليم، كما حدث قبل يومين، نتائج البحث عن الحقيقة، فيفرح كل مجتهد بما أصابه من خير الدرجات التى ترفع من تشاء، وتهبط بمن تشاء عبر أرقام ونسب مئوية تبقى هى الكلمة الفصل للالتحاق بهذه الكلية أو تلك.
اليوم يجلس الآباء قبل الأبناء لخوض غمار معركة جديدة فى رحلة تعليمية كان يجب أن تكون أكثر هونا، وأقل قسوة ورهبة، لكن شاءت عمليات التجريب، والتعديل والتبديل، لأنظمة تعليمية أن تبقى «البعبع» فى كل بيت يستقبل مولودا جديدا، ودع عنك الدعايات التى تبدأ مع كل عام عن سعى الوزارة، واجتهاد القائمين عليها، فى صرف «عفريت» الثانوية العامة الذى حضره ساحر بلا ضمير يقف على بابه آلاف الحراس الشياطين.
فبعد رحلة مرهقة ماديا ومعنويا لمئات الألوف من الأسر، وصلنا إلى النقطة الأهم، بماذا يلتحق الأبناء، وخاصة أصحاب المجاميع المرتفعة؟ النقاش يتجدد، رغم ثبات طريقة التفكير، فكليات القمة التقليدية تظل الاختيار الذى يراود الجميع، حيث تبقى المجموعة الطبية الهدف الأهم لطلاب شعبة العلوم، فيما كليات الهندسة الرغبة الأولى لطلاب شعبة الرياضيات، قبل أن نأتى إلى طلاب القسم الأدبى وهؤلاء ربما تظل كليات الاقتصاد والعلوم السياسة والإعلام تراود أحلامهم.
لكن هل لا تزال كليات القمة على حالها فى العلاقة مع سوق العمل؟، ألم نصل إلى محطة يجب أن نعيد فيها التفكير، ونطلق العنان لرؤية جديدة فى الاختيار؟.
مفهوم أن يظل الإقبال الضارى على كليات المجموعة الطبية نظرا لاحتياجات سوق العمل، والعجز الذى تعانيه المستشفيات من نقص فى الأطباء والممرضين، لكن هل المجتمع فى حاجة إلى الأعداد نفسها التى تلتحق بكليات كالهندسة والاقتصاد والعلوم السياسة، والإعلام والتجارة والآداب؟.
كلية الإعلام تحديدا فجرت فى الأيام الأخيرة معركة وسط عدد من الزملاء العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة، بين ناصح بالابتعاد عنها، ومدافع عن حق كل جيل فى اختيار ما يروقه من الكليات، على الرغم مما يعانيه سوق العمل فى الصحافة من شح للفرص، وتقلص فى عدد الوظائف، لأسباب متعددة يعلمها المطلعون على تفاصيل ما يدور فى أروقة الصحف ووسائل الإعلام المختلفة.
قد يرى البعض أنه ليس من حق جيل المصادرة على حق الأجيال فى خوض غمار تجربتها وخلق فرصتها فى المجال الذى ترغبه، بينما يعتقد من اكتوت أيديهم بنيران مهنة البحث عن المتاعب أن من حقهم تقديم النصح وشرح ما طرأ على ساحة تعانى فى الوقت الراهن من مشكلات حقيقية لا يمكن التجاوز عنها، فالصحافة تمر بمرحلة ضمور، ولم يعد سوقها يستوعب كل هذه الأعداد التى تتخرج فى كليات الإعلام عاما وراء عام.
وكأحد خريجى كلية الإعلام جامعة القاهرة، ممن لا يقبلون المزايدة على حبهم وفخرهم بالانتماء إلى هذه الكلية العريقة، أنصح الأبناء والآباء، ألا ينساقوا وراء إغراء المجموع الكبير، وأن يعلموا أن الصحافة أشغال شاقة مؤبدة، فمن يختارها يجب أن يتسلح بالإرادة والتصميم على مواجهة كل الصعوبات، فهى رسالة وليست وظيفة.