روسيا.. تحالفات مصلحة لمنافسة أمريكا
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 15 يوليه 2022 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
إذا كانت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا قد أجبرت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن على التراجع عن سياسة الاهتمام المحدود بالشرق الأوسط وها هو يأتى إلى إسرائيل وفلسطين والسعودية محملا بملفات إقليمية ودولية عديدة، فإن الولايات المتحدة تعود إلى منطقة تغيرت بشدة خلال السنوات الأخيرة وصار بها أكثر من موطئ قدم وموضع نفوذ للقوى العظمى المنافسة لواشنطن. وأتناول اليوم الأدوار والسياسات الروسية.
• • •
نجحت روسيا فى استغلال النتائج الكارثية لتقلبات السياسة الأمريكية منذ ٢٠٠١ بين تدخلات عسكرية ورغبة فى الهيمنة المنفردة على الشرق الأوسط وبين التردد الاستراتيجى والتراجع عن التعهدات الأمنية المقدمة للحلفاء الإقليميين والانسحاب العسكرى لكى تعيد صياغة أدوارها فى المنطقة فيما وراء موضع نفوذها التقليدى فى سوريا.
قدمت موسكو نفسها للشرق الأوسط كقوة استقرار تبحث عن التعاون العسكرى والأمنى والاقتصادى والتجارى مع جميع حكومات المنطقة دون أن تخيِّر الشرق أوسطيين بينها وبين تحالفاتهم القائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية. تركت موسكو واشنطن تضع القيود على صادرات السلاح للمنطقة، وعرضت هى سلاحها دون شروط. وظف صناع القرار فى الرئاسة الروسية وفى الأجهزة الدبلوماسية حالة الغموض التى صنعتها تقلبات السياسة الأمريكية فيما خص أمن الشرق الأوسط، وحاولوا هم تصدير صورة جديدة لروسيا كقوة عظمى قادرة على التدخل العسكرى والأمنى المباشر للدفاع عن حلفائها (سوريا مثالا) وتستطيع أيضا التأثير على تطورات ونتائج الصراعات الدائرة فى المنطقة (ليبيا مثالا) ولا تعارض الحلول الدبلوماسية لإنهائها كما تفعل مع إيران وتركيا فيما يتعلق بسوريا ومع مصر والإمارات وتركيا وفرنسا فيما خص ليبيا.
عملت روسيا على مد شبكات تصدير السلاح والتعاون الأمنى والاقتصادى والتجارى بحيث لم يمنع دورها فى سوريا من صياغة علاقة استراتيجية مع إسرائيل. ولم يمنعها القرب من إسرائيل من الحفاظ على روابطها القوية مع إيران على الرغم من العداء المستمر والمتصاعد بين تل أبيب وطهران. ولم تمنع علاقات التعاون والتنسيق مع إسرائيل وإيران موسكو من أن تصدر السلاح إلى السعودية والإمارات ومصر وتركيا وأن ترفع معدلات التعاون معها ومع الجزائر فى شمال أفريقيا. بل ونجح صناع القرار الروس فى تطوير تحالفات مصلحة مع حكومات الشرق الأوسط فيما خص أسعار الطاقة العالمية التى تريد موسكو والعواصم الخليجية الحفاظ على ارتفاعها الراهن دعما لموازناتها العامة، ومزجوا بين ذلك وبين الاتفاق مع مصر والجزائر على بناء مفاعلات نووية بتمويل وتكنولوجيا من روسيا.
• • •
الهدف الاستراتيجى الواضح للأدوار الروسية فى الشرق الأوسط هو عدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية بالتعامل مع المنطقة كالقوة المهيمنة الوحيدة والضغط باتجاه تبلور نظام أمنى جديد يرث الانفرادية الأمريكية التى مثل غزو العراق فى ٢٠٠٣ النقطة الأعلى فى تاريخها القصير (١٩٩١ ــ ٢٠٠٣) وتشارك بصياغته القوى العظمى كلها، أى الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا، ومعها الأطراف الإقليمية المؤثرة. لذلك، وإن ابتعدت موسكو عن المواجهة المباشرة مع واشنطن فى منطقتنا باستثناء سوريا التى خرج منها الأمريكيون، فإنها سعت لتهديد المصالح الأمريكية بتقديم نفسها للشرق الأوسط كقوة بديلة لا تتقلب سياساتها بتغير الإدارات وتستطيع التعاون العسكرى والأمنى والتنسيق فيما خص أسعار الطاقة بعيدا عن خطوط الصراع التقليدية بين إسرائيل وإيران وبين الأخيرة ودول الخليج وبين تركيا والعديد من الأطراف العربية.
لذا لم يكن غريبا أن تصطف إيران وسوريا مع روسيا بعد أن أطلقت آلتها العسكرية على أوكرانيا وأن ترفض إدانة العدوان الروسى وتمتنع عن تطبيق العقوبات الغربية. غير أن الصدمة الأمريكية جاءت مع ابتعاد حلفاء واشنطن والغرب فى الشرق الأوسط عن الإدانة الصريحة لروسيا وعن تطبيق العقوبات. حكومات السعودية والإمارات ومصر وتركيا، بل وحكومة حليف واشنطن الأول فى المنطقة إسرائيل، جميعها رفضت تطبيق العقوبات وأبقت على تعاونها وتنسيقها مع موسكو دون تغيير.
بل إن حكومات دول مجلس التعاون الخليجى رفضت ضغوط إدارة بايدن لرفع معدلات إنتاجها من النفط والغاز الطبيعى لكى تنخفض الأسعار الحالية للطاقة وينجو الرئيس الأمريكى وحزبه من عقاب الناخبين فى الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. ومكنت دول الخليج بذلك روسيا من الحفاظ على حصيلتها العالية من صادرات الطاقة، وعاقبت من جهة أخرى إدارة بايدن على تجاهل حلفاء أمريكا العرب وحديثها المتكرر عن توجهها بعيدا عن الشرق الأوسط ورغبتها فى تجديد الاتفاق النووى مع إيران دون اعتبار لمخاوف الخليج.
• • •
فى ٢٠٢٢، حصدت روسيا بعضا من ثمار تحالفات المصلحة مع حكومات الشرق الأوسط وسياساتها البراجماتية التى لم تضع شروطا على التعاون مع الجميع وعملت على تقديم صورة جديدة لروسيا قوية وقادرة على التدخل العسكرى وتصدير السلاح والتكنولوجيا وتقديم التعهدات الأمنية، صورة جديدة تختلف عن ما بقى فى ذاكرة العرب والشرق أوسطيين من ماضى الاتحاد السوفييتى الضعيف فى ثمانينيات القرن العشرين ثم روسيا المنهارة والمستسلمة للهيمنة الأمريكية منذ تسعينياته.