مبادرة «شباب من أجل التنمية».. ما لها وما علينا
محمد علاء عبد المنعم
آخر تحديث:
الجمعة 15 يوليه 2022 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
احتفلت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية يوم الثلاثاء 5 يوليو، بحضور الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط، بالفرق الفائزة فى المسابقات الطلابية لمبادرة «شباب من أجل التنمية»، التى نظمتها الوزارة بالتعاون مع وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، ممثلة فى المجلس الأعلى للجامعات، كمبادرة سنوية هدفها تعريف الشباب بقضايا السياسات العامة، والبرامج والتدخلات الحكومية، والاستماع إلى آراء الشباب وتبنى الأفكار الواعدة منها.
ولقد شرفت بالمشاركة فى الإشراف على هذه المبادرة، التى أجدها فرصة لفتح قنوات للتواصل مع الشباب ودعوتهم للمشاركة فى الشأن العام على أساس من المعرفة بالبرامج والسياسات التى تعمل عليها الحكومة، وامتلاك أدوات تحليل السياسات العامة والقيام بمشروعات ريادية ربما تخرج لنا فى السنوات القادمة شركات ناشئة وبراءات اختراع وقيادات شابة للعمل العام.
كما أجدها كاشفة عن عدد من المشاهدات التى تتطلب التعامل الجدى معها، أولها الحاجة إلى تضمين وتنشيط مؤسسات المجتمع المدنى فى تأهيل الشباب للمشاركة فى العمل العام، وتبنى الأفكار الواعدة، وأهمية حماية الملكية الفكرية، والمصارحة بالانحيازات الفكرية التى لا مفر منها فى العمل العام، وضرورة التصريح بها بدلا من حجبها خلف ستار الإجماع الوطنى.
• • •
خرجت هذه المبادرة استنادا إلى تقرير التنمية البشرية لجمهورية مصر العربية لعام 2021، الذى أنتجه برنامج الأمم المتحدة الإنمائى بعد انقطاع دام لأكثر من عشر سنوات منذ إصدار آخر تقارير التنمية البشرية لمصر عام 2010، وهو من هذا المنطلق يتناول فترة محورية فى تاريخ مصر المعاصر شهدت خلالها ثورتين شعبيتين، إضافة إلى جائحة كورونا، وبرامج وسياسات حكومية متعددة للتعامل مع أزمات ومشكلات فى عدة قطاعات حيوية يأتى على رأسها الصحة والتعليم والسكن اللائق، وإصلاح منظومة الدعم والحماية الاجتماعية والإصلاح الاقتصادى، حيث يتميز هذا التقرير بأنه يأخذ صورة بانورامية لعدة محاور للتدخلات الحكومية، ولا يقتصر على محور واحد فقط كما هى العادة فى التقارير السابقة عليه، وكان آخرها تقرير عام 2010 الذى جاء بعنوان «شباب مصر.. بناة مستقبلنا».
وقد استقرت الممارسة فى إنتاج تقارير التنمية البشرية الوطنية على وجود شريك وطنى دوره تيسير مهمة فريق كتابة التقرير فى الحصول على البيانات وإجراء مقابلات مع شخصيات عامة... إلخ. وقد ترأست الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، الفريق الوطنى الذى شارك برنامج الأمم المتحدة الإنمائى مهمة كتابة التقرير، وهى صاحبة فكرة المبادرة بهدف استغلال التقرير الأممى كوثيقة جامعة يمكن من خلالها مناقشة الشئون العامة فى مصر، وطرح برامج وسياسات الحكومة المصرية للنقاش القائم على إتاحة المعلومات والتدريب على إدارة المشروعات الريادية وتحليل السياسات العامة، وهى الأمور التى يشجعها اهتمام تقرير 2021 بإتاحة البيانات من خلال الملحق الإحصائى للتقرير، وصفحة «مصر.. حقائق وأرقام»، التى تم تدشينها خلال احتفالية إطلاق التقرير فى سبتمبر 2021.
مرت المبادرة فى عامها الأول، العام الأكاديمى 2021/2022، بعدة مراحل، أولها اختيار الجامعات المشاركة بحيث تمثل أقاليم الوجه البحرى والقبلى والقاهرة ومنطقة القناة، وعلى هذا شاركت جامعات المنصورة وبنى سويف والقاهرة وعين شمس وبورسعيد، وقامت الجامعات بإجراء التصفيات الأولية للطلاب الذين تقدموا بالمشاركة، وصولا إلى الاستقرار على عدد من الفرق للمشاركة فى مسارى المنافسات الطلابية: مسار ورقة السياسات ومسار المشروعات التنموية.
وتم تدريب جميع الطلاب المشاركين فى محورين رئيسيين، أولهما محور عام يشمل التعريف بدورة وتحليل السياسات العامة وإدارة المشروعات، وجاء المحور الثانى لتعريف الطلاب بقضايا نوعية فى مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والاستدامة البيئية، وقدم التدريبات فى هذه المرحلة خبراء من وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى وحاضنة الأعمال بكلية الاقتصاد، جامعة القاهرة.
وبعد انتهاء المرحلة الأولى من التدريبات، قامت الجامعات المشاركة بإجراء تصفياتها الداخلية لاختيار الفرق الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى فى مسارى المبادرة: ورقة السياسات والمشروعات التنموية، وتم تعيين مدرب لكل من الفرق التى تم تصعيدها فى تصفيات الجامعات لتطوير أعمالهم، وتم اختيار المدربين من الممارسين والسياسيين والأكاديميين ورواد الأعمال الشباب، بحيث يتمكن كل فريق من الاقتراب بفكرته أو مشروعه إلى أرض الواقع بما تشمله من فرص وتحديات.
وختاما، جاء دور لجنة التحكيم الوطنية التى شملت شخصيات هامة فى ساحة العمل العام بمصر، ومنهم ثلاثة وزراء سابقون هم الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى السابق، والدكتورة نادية زخارى وزيرة البحث العلمى الأسبق، والدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات الأسبق، إضافة إلى رؤساء جامعات ومحافظين وبرلمانيين. ولا شك أن مشاركة هذه القامات الهامة فى العمل العام فى تحكيم ما تقدمت به الفرق المتأهلة فى تصفيات الجامعات يعد دليلا على قناعة شخصية بقيمة مشاركة الشباب وأفكارهم، والإيمان بمستقبل للعمل العام قائم على الحوار والنقاش والمبادرات الحرة.
يرى المدقق فى نتائج هذه المبادرة أن طاقات الشباب الجامعى فى مصر غير محدودة، وأن فتح أبواب الإبداع والمشاركة أمامهم هو الباب الحقيقى لمستقبل أفضل، وقد احتلت مشروعات الرعاية الصحية والمرأة والبيئة ومكافحة الفساد أولويات الفرق الفائزة، ويلفت النظر فى هذه الفرق تعدد الكليات المشاركة فى كل فريق، وهو ما يعكس تعقد قضايا السياسات العامة والحاجة إلى تكامل المداخل للتعامل معها، فقضايا الرعاية الصحية، على سبيل المثال، ليست حكرا على طلبة كلية الطب، بل تحتاج إلى مشاركة طلاب من كليات التمريض والاقتصاد والإعلام وغيرها للتعامل معها، وكان هذا التنوع من خصائص الفرق الفائزة فى مبادرة هذا العام.
• • •
وكما احتفل الشباب ووزارتا التخطيط والتعليم العالى بنجاح المرحلة الأولى للمبادرة، والإعلان عن مرحلتها الثانية بداية من شهر أغسطس القادم، جاءت هذه المبادرة لتطرح عدة تساؤلات على المشتغلين والمنشغلين بالشأن العام، يأتى على رأسها التساؤلات حول الأطراف الفاعلة فى تشجيع المبادرات الشبابية وتبنيها وحماية حقوق الملكية الفكرية.
ولا شك أن أى مبادرة لتفعيل مشاركة الشباب فى العمل العام هى من الأمور التى ينبغى الترحيب بها، ولكن ينبغى أيضا تشجيع مؤسسات المجتمع المدنى ومؤسسات العمل السياسى، وعلى رأسها الأحزاب السياسية، على القيام بدورها فى هذا المجال، وهذا يتأتى من خلال التدريب والتشبيك مع الأنشطة التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى الأخرى، ومن المؤسسات المرشحة للقيام بدور أكثر وضوحا فى مجال تفعيل وتبنى المبادرات الشبابية الأكاديمية الوطنية للتدريب، التى ينبغى أن تُفعّل دورها كمؤسسة ذات طابع اقتصادى تهدف لتحقيق أرباح ومؤسسة اجتماعية ذات دور نشط ليس فقط فى إعداد كوادر لتولى مناصب قيادية فى العمل الحكومى، وإنما لتأهيل قيادات مستقلة قادرة على طرح مبادرات وأفكار فى مجالات العمل الحكومى والأهلى ومجتمع الأعمال.
كما أن تحقيق النجاح الحقيقى لمثل هذه المبادرات وضمان استمراريتها وتحقيق أهدافها فى إثراء العمل العام يقتضى تبنى نتائج أعمالها من جانب المؤسسات القادرة على إخراج نتائج العمل الذى قام به الشباب إلى النور، فبعض المشروعات والمبادرات التى طرحها شباب هذا العام يحتاج إلى تمويل، بينما يحتاج البعض الآخر إلى تبنى إحدى الجامعات العامة أو الخاصة أو المراكز البحثية للفكرة، وهو الأمر الذى ينطبق على مبادرتى الرعاية الصحية الفائزتين هذا العام، وربما يحتاج البعض الآخر مستقبلا الوصول إلى بيانات أو استخدام أجهزة متوافرة بالفعل لدى جهات عامة أو خاصة، وتشير هذه الملاحظة إلى أهمية توسيع نطاق الشركاء فى هذه المبادرات بحيث تمثل عامل تحفيز للشباب وتفتح أمامهم الأبواب لتطبيق نتائج عملهم.
وتعد حماية حقوق الملكية الفكرية أحد أهم معايير النجاح وتشجيع المبادرين من جميع الفئات على المشاركة، وهو أمر يحتاج اهتماما خاصا من مؤسسات الدولة المسئولة فى هذا المجال، خاصة بعد ما كشفت عنه واقعة محطة مترو كلية البنات مؤخرا، ولا مجال هنا للحديث عن هذه الواقعة التى لا شك سوف تحظى باهتمام يتناسب مع حجم التجاوز وما نتج عنه من أضرار.
وأخيرا، فإن العمل العام يشمل تحيزات هى أساس التنافس السياسى والحزبى وطرح البدائل للتدخلات الحكومية، والكشف عن هذه التحيزات وترجمتها إلى سياسات ومقترحات للعمل الحكومى هى من المهام الأساسية للأحزاب السياسية، التى حظيت بمساحة أكبر فى الانتخابات النيابية الأخيرة يجب ترجمتها إلى برامج وسياسات تطرح بدائل حقيقة أمام المواطن للاختيار بينها، وربما تفتح هذه التباينات الحزبية مجالا آخر للحوار والاختلاف الصحى فى المراحل القادمة لـ«مبادرة شباب من أجل التنمية»، وغيرها من المبادرات التى تضع المشاركة والحوار فى قلب البرامج الموجهة لتفعيل دور الشباب وإشراكهم فى قضايا الشأن العام.