تداعيات كاشفة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 15 أغسطس 2017 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
فى السنوات الأخيرة لم يتمتع الدكتور إسماعيل سراج الدين بتعاطف مثلما حدث فى الأسابيع الماضية على إثر حكم قضائى أثار جدلًا فى الداخل والخارج. إذ بالرغم أن الرجل عالم، ومفكر دولى، وله فى المنتديات العلمية فى العالم رصيد وحضور إلا أن البعض تغافل عن ذلك، وعن دوره فى بناء مكتبة الإسكندرية، وحصره فى مربع ضيق عقب 25 يناير 2011م، مثلما فعل ذلك مع العديد من الشخصيات العامة ورجال الدولة.
ترك الرجل مكانه فى مكتبة الإسكندرية، وبالتالى الدفاع عنه موقف مبدئى، وقد أصدر مدير المكتبة الحالى الدكتور مصطفى الفقى بيانًا رفيعًا، ثم كتب مقالًا مهمًا، أكد فيه تقديره لشخص الدكتور إسماعيل سراج الدين، علمه وخبراته وإسهامه فى المكتبة، وهو ــ للأمانة ــ حديث دائم له منذ أن تولى موقعه فى مطلع شهر يونيو الماضى، وبالأخص فى لقائه مع نخبة من المثقفين للحديث عن مستقبل مكتبة الإسكندرية، ويشكل نموذجًا للانتقال المؤسسى اللائق، ويدشن ظاهرة قلما نجدها فى التراث السياسى والبيروقراطى المصرى الذى يميل فيه اللاحق إلى انتقاد أو فى أحسن الأحوال تجاهل السابق. وهناك العديد من المثقفين فى الداخل والخارج أصدروا بيانات تأييد.
لن ندخل فى تفاصيل الحكم عملا بالعرف المتداول الذى يقضى بعدم التعليق على أحكام القضاء، ولكن المسألة برمتها لها أوجه عديدة. أولًا: أن الحكم بالسجن على شخصية بهذا القدر من العلم والمكانة، والخبرة الدولية، والإسهام فى بناء مؤسسة عصرية حديثة تنافس نظيرتها على مستوى العالم يشكل رسالة سلبية لكثير من الخبرات المصرية والدولية المهمة التى يحتاج إليها المجتمع، ويصرف كفاءات كثيرة عن العمل العام. ثانيًا: هناك ضرورة مهمة لتحرير إدارة المؤسسات العامة، طالما نريد لها التقدم والمبادأة والمبادرة، من أسار القواعد القانونية والإدارية الموروثة، والتى لم تعد تلائم العصر، ولا تشكل باعثًا على التقدم والتطور، وتغل أيدى العناصر التى تود تطوير المجتمع، وتحول دون التفكير الابتكارى فى إدارة الموارد البشرية، وتعبئة الموارد، وحل المشكلات، والإبداع فى الخروج عن النص، لأن التنمية فى جوهرها متغيرة، والحلول ينبغى أن تلائم التحول فى المشكلات، والديناميكية فى الحل سمة المجتمعات الحية التى تبحث عن التطور. ثالثا: لا تختزل التجارب المهمة فى إجراءات تقديرية ــ تطلق عليها أدبيات الإدارة العامة والقانون «السلطة التقديرية»ــ لأن الحياة ليست جامدة، وطالما لا يوجد فساد أو تربح، وهى الحالة التى نحن بصددها الأن، فإن السلطة التقديرية لجهة الإدارة فى ضوء ما لديها من معلومات، وما تواجهه من تحديات هو أمر مكفول لها، ولا معقب عليه.
الإشكالية ليست فقط فى حكم أول درجة الصادر ضد الدكتور إسماعيل سراج الدين، لأنه لا تزال هناك مراحل أخرى للتقاضى يمكن بالطبع مراجعته خلالها، وهذا ما يكفله القانون، ولكن هذا الحكم كاشف لأزمة مهمة تواجه المجتمع المصرى على مستويات عديدة، أبرزها الحاجة إلى مراجعة القواعد الإدارية والقانونية التى تحكم كثير من مفردات العمل، وتؤدى إلى غل أيدى المسئولين فى المؤسسات العامة، وبث ثقافة الخوف، وتجنب الإبداع إيثارا للسلامة، وطالما أن المسألة تنحصر فى النهاية فى إجراءات تغطى على انجازات، يميل المسئول إلى الانكماش، وعدم المبادرة.