حقوق المرأة فى مصر القديمة
حسين عبدالبصير
آخر تحديث:
الإثنين 15 أغسطس 2022 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
كان الزواج فى مصر القديمة شأنا خاصا تماما لم تهتم به الدولة ولم تسجله. ولا يوجد دليل على أى احتفال قانونى أو دينى لتأسيس الزواج، على الرغم من وجود حفلة على الأرجح. ويروى الجزء المحفوظ من قصة ستنى خع إم واس الأولى من العصر المتأخر كيف وقع نا نفر كا بتاح وإيحورت فى الحب وأرادا الزواج. ووافق والداهما، لذلك انتقلت إيحورت إلى منزل نا نفر كا بتاح، وقدم الناس (خاصة والد العروس) الهدايا، وكانت هناك حفلة كبيرة، ونام الاثنان معا، ثم عاشا معا وأنجبا طفلا. ولكن كان الزواج فى الأساس عبارة عن اتفاق بين شخصين وعائلاتهما على العيش معا وإنشاء أسرة. وتم استخدام نفس المفردات لكل من النساء والرجال. وعلى الرغم من أن معظم الزيجات قد تم ترتيبها بناء على رغبة الزوج ووالدى العروس، فإن هناك أيضا صورة أدبية متكررة لفتاة تقنع والدها بالسماح لها بالزواج من الرجل الذى ترغب فيه، بدلا من اختيار الأب.
وقام العلماء المعاصرون بتحليل دور المرأة فى العديد من المجتمعات، من القديم إلى الحديث، كسلعة يبيعها الأب ويشتريها الزوج. ويمكن لبعض الأدلة المصرية القديمة أن تشير إلى أن هذا كان صحيحا فى مصر القديمة أيضا. فعلى سبيل المثال، قد يعطى الرجل هدية إلى والد زوجته المحتملة، والتى يمكن تفسيرها على أنها «شراء» ابنة الرجل كزوجة. لكن الهدية التى قد يقدمها الرجل إلى والد زوجته المستقبلى تم تحليلها أيضا على أنها تعمل على كسر الزوج للحواجز بين المرأة وعائلتها الأساسية، حتى يتمكن الزوجان الجديدان من تأسيس عائلتهما كمركز لحياتهما.
وعلى الرغم من أن المرأة كانت من الناحية القانونية مساوية للرجل، ويمكنها التعامل فيما يخص الملكية على قدم المساواة مع الرجل، فإن الدور الاجتماعى والعام للمرأة اختلف اختلافا كبيرا عن دور الرجل. وعلى الرغم من وجود بعض الأمثلة التى كانت فيها الزوجة أقوى أو أكثر أهمية من الزوج (حسب الأسرة أو الثروة أو الشخصية)، فإن معظم المصريين القدماء مالوا إلى الزواج من شخص من طبقتهم الاجتماعية. وهكذا، تزوجت كثيرا المرأة رجلا من نفس المهنة أو مهنة مماثلة لأبيها وأخيها (أو إخوتها). ولم يكن ذلك ناتجا عن القوانين أو القيود الرسمية، ولكن ببساطة كان ناتجا من حقيقة أن تلك كانت مجموعة الأشخاص الذين كان الشخص أكثر اتصالا بهم، والذين كان أكثر راحة معهم.
• • •
وكان الطلاق والزواج شائعين فى مصر القديمة فى جميع العصور. وكان الخلاف بين الأشقاء والأشقاء غير الشقيقين متكررا. وللتأكيد على صلة القرابة للأشقاء، حددت المصادر الأدبية والوثائقية كثيرا أنهم يشتركون فى نفس الأب والأم. ولحل النزاعات المحتملة قبل ظهورها، تم الاعتماد على النفعية العملية أو الواقعية إلى حد ما من خلال جعل الأب يحصل على إذن من أبنائه الأكبر سنا، الذين قد يفقدون جزءا من ميراثهم بسبب زواجه. ونظرا لأن الرجال، حتى الرجال الناضجين، كانوا يعتمدون اقتصاديا على الوالدين، وخاصة الآباء، حتى وفاة الوالدين، فكان من مصلحة الابن أيضا الموافقة على زواج والده مرة أخرى (وليس المخاطرة بالتمزق والحرمان التام من الميراث). وبالتالى، تم تلبية رغبات واحتياجات الجميع من خلال جعل الجميع يوافق على ما يريده بعض الأشخاص على الأقل. وتناسب ذلك النمط مع الملاحظة التى أشارت إلى أن الاتفاق وحل النزاع، بدلا من «العدالة المجردة»، كان غالبا هدف قرارات المحاكم المصرية القديمة.
ويبدو أن أمر الطلاق والزواج كان سهلا وشائعا نسبيا. وهناك القليل من الأدلة المقنعة على تعدد الزوجات، باستثناء قيام الملك بالزواج من أكثر من امرأة، ولكن هناك أدلة كثيرة على «الزواج الأحادى المتسلسل». وكان يمكن لأى من الطرفين تطليق الزوج لأى سبب، أو بشكل أساسى، دون أسباب، ودون أية مصلحة أو سجل من جانب الدولة. وعكست مفردات الطلاق، مثل تلك المستخدمة فى الزواج، حقيقة أن الزوجين كانا، فى الأساس، يعيشان معا، ثم حدث أن رجلا «ترك» امرأة، وأن امرأة «ذهبت (بعيدا عن رجل)»، أو «تركت» رجلا.
وعلى الرغم من أنه لم يكن على أى من الطرفين تقديم أسباب قانونية (أو اجتماعية أو معنوية أو أخلاقية) للطلاق، فإن المسئوليات الاقتصادية المنصوص عليها فى عقود الأقساط جعلت تلك خطوة جادة. وبالتالى، كانت عادة المرأة المتزوجة مدعومة من قبل زوجها، طالما بقيت متزوجة، وكانت ممتلكاته مستحقة لأبنائها. وبما أن الزواج مرة أخرى بعد وفاة الزوجة الأولى كان يمكن أن يؤدى إلى نزاع حول حقوق الملكية والميراث، فإن الطلاق والزواج مرة أخرى كان يمكن أن يؤدى إلى نزاعات قانونية كبيرة.
وإذا طلق الرجل زوجته، فكان عليه إعادة مهرها (إذا أحضرت مهرا) ودفع غرامة لها. وإذا طلقته، فلا غرامة عليه بالمرة. والزوج المُطلق أو الزوجة المُطلقة بسبب الخطأ (بما فى ذلك الزنا) يخسر نصيبه، أو تخسر نصيبها من الملكية المشتركة للزوجين. وبعد الطلاق، كان كلاهما حرا فى الزواج مرة أخرى. لكن يبدو أنه حتى يرد الزوج مهر زوجته ويدفع لها الغرامة، أو حتى تقبلها، كان يظل الزوج مسئولا عنها، حتى لو لم يعودا يعيشان معا. وحاول بعض الأزواج (السابقين)، كما هو الحال الآن، تجنب إعالة زوجاتهم (السابقات)، ولدينا عدة إشارات إلى تدخل ودعم أو مساعدة الأسرة الأساسية للمرأة عندما لا يستطيع زوجها ذلك، أو لا يفعل ذلك.
• • •
وكان المفهوم المصرى القديم للزنا يقوم على ممارسة الشخص المتزوج للجنس مع شخص آخر غير زوجة ذلك الشخص. وكان من «الخطأ» أن يرتكب الرجل الزنا، كما كانت هى الحال بالنسبة للمرأة. وكان النظام المصرى القديم متمركزا حول الأسرة. وكانت مصطلحات الزواج والطلاق واحدة لكلا الجنسين. وتم تعريف الزنا من منظور الأسرة وإدانته لكل من الرجال والنساء. ولم تكن ممارسة الجنس من قبل الأفراد غير المتزوجين مصدر قلق كبير للمجتمع المصرى القديم.
هذه لمحة عامة موجزة عن حقوق المرأة، والتى أغفلت بالضرورة العديد من الأسئلة والكثير من التفاصيل، وتطرقت فقط إلى تعقيدات تلك الثقافة القديمة. ويجب النظر إلى المساواة القانونية الملحوظة التى كانت تتمتع بها المرأة المصرية القديمة وكذلك قدرتها على امتلاك الممتلكات والتصرف فيها فى ضوء النظام الاجتماعى التى عاشت فيه، حين كانت الهيمنة للرجال، على الأقل فى نطاق السجلات التى تم حفظها لنا من مصر القديمة.