«شخصنة» الفساد لا تساعد على محاربته
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 15 سبتمبر 2015 - 6:30 ص
بتوقيت القاهرة
هذا المقال ليس دفاعا عن وزير الزراعة السابق ولا عن زملائه، بل دفاعا عن القانون والعدالة، وحرصا على محاربة الفساد بالشكل الصحيح.
السؤال الذى أطرحه هو التالى: هل هناك أى احتمال أن يكون الوزير المستقيل بريئا من التهم المنسوبة إليه؟ أم أنه بالتأكيد مذنب ولا يوجد أى احتمال لبراءته؟
إن كانت جريمته ليست محلا للشك، فلا توجد حاجة لتحقيقات النيابة العامة، ولا للمحاكمة، ولا لمحام يدافع عنه، ولا لسماع الشهود وتقارير الرقابة الإدارية والتسجيلات والأفلام. يكفى فقط أن تقرر المحكمة عقوبته وينتهى الأمر ونكون قد انتصرنا على الفساد، ووفرنا جهدا ووقتا ثمينا، وأطلقنا رسالة قوية بأن الدولة تحارب الفساد والفاسدين. أما إذا كان هناك احتمال ــ مجرد احتمال ــ للبراءة، فإن المتهم يجب أن يظل بريئا ما لم تثبت إدانته بحكم قضائى نهائى، وليس بحكم الرأى العام ولا الإعلام ولا الأجهزة الرقابية، ويكون من حقه التمتع بكل حقوق الدفاع.
ولكن ما حدث خلال الأسبوع الماضى أن الوزير السابق، بعد استقالته وإلقاء القبض عليه، صدر عليه حكم نهائى من الإعلام ومن الرأى العام ومن بعض المسئولين، بما لم يترك مجالا للشك فى أنه قد ارتكب الجريمة المنسوبة إليه وأنه يستحق أقصى عقوبة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل انطلق المعلقون ليؤكدوا أن وزراء آخرين أطراف فى الجريمة، ويحددوهم بالاسم، ويعتبرون أن ظهور أى مسئول فى صورة فوتوغرافية مع أحد المتهمين دليل إدانة، وأن حركة التطهير يجب أن تشمل كل من له علاقة بالوزير المستقيل.
مصر بالتأكيد بحاجة لمحاربة الفساد، وهذا واحد من اكبر التحديات التى تواجه البلد وتثير غضب الناس وتمنع جهود التنمية من أن تحقق أهدافها. والفساد لا يقاس فقط بحجم ما يحصل عليه المسئولون من رشاوى وهدايا بمختلف الأشكال والمسميات، وإنما أيضا ــ والأهم ــ بما يضيع على البلد من فرص وموارد وأموال وما يؤدى إليه من تعطيل للطاقات وتدمير لشعور المواطنين بالانتماء، ولكن إن كانت هناك رغبة صادقة لدى الدولة والحكومة والاجهزة الرقابية فى وقف نزيف الفساد الحكومى واتخاذ اجراءات رادعة ضد المتورطين فيه، فإن الرجوع لنفس الأساليب والأدوات التى اعتمدت عليها الدولة من قبل لن يحقق هذا الهدف بل سوف يعيد تكرار مشاكل الماضى.
من جهة أولى فإن «شخصنة» الموضوع تجعل المعركة تتحول من التصدى لظاهرة الفساد فى حد ذاتها إلى ملاحقة أشخاص بعينهم، وإلى اعتبار الإيقاع بهم هو الهدف النهائى. وهذا يمنح الرأى العام والإعلام ما ينشغل به ويصب عليه غضبه، دون أن يترتب عليه أى تغيير حقيقى فى السياسات والقوانين والانظمة التى تشجع الفساد وتجعل تكراره حتميا ولكن بوجوه جديدة.
كذلك فإن اعتبار كل متهم فى قضية فساد ــ إعلاميا وشعبيا ــ مجرما من اللحظة الأولى وقبل انتهاء التحقيقات وصدور حكم بذلك، فيه اعتداء على الدستور والعدالة وتدخل فى عمل القضاء. وإذا كان هناك درس علينا أن نتعلمه من تجربة السنوات الماضية فهو أن الحالة الإعلامية المحمومة التى تصاحب القضايا الكبرى والانصياع لضغوط الرأى العام لم يحدا من الفساد، بل أوجدا حالة من الرعب والقلق لدى المسئولين، وتسببا فى شلل داخل الأجهزة الحكومية، وشجعا حملات الابتزاز الإعلامية، وفى الأرجح أنهما قد صرفا النظر عن مواطن الفساد الحقيقى.
وأخيرا فإن هناك ضرورة ملحة لعدم الاكتفاء بملاحقة الفساد السابق والاعتماد أيضا على الوقاية وعلى تغيير النظم والقوانين والممارسات التى تساعد على انتشاره مستقبلا. الأهم من الايقاع بمسئول أو أكثر هو تجديد القوانين واللوائح والنظم الخاصة بالمناقصات والمزايدات الحكومية، وبتخصيص أراضى الدولة، وبمنح الرخص لمختلف الأنشطة، وغير ذلك من مجالات وأبواب التلاعب والمحاباة التى ينبغى التصدى لها. وبدون هذه المراجعة الشاملة لهذه القوانين والنظم فلن يمكن محاصرة الفساد والحد منه لان الإغراء يظل كبيرا والفرصة سانحة.
إن كانت قضية وزارة الزراعة بداية حرب ضد الفساد فمرحبا بها، ولكن بشرط ألا تستخدم ذات القوانين والأدوات التى جعلتنا نخسر معارك سابقة، أو تعتمد على ذات التحريض الشعبى والإعلامى ضد بعض المشاهير، وتتجاهل ضرورة تغيير النظم والقوانين والآليات. هناك حلول اعتمدت عليها دول اخرى وجاءت بنتائج جيدة فى الوقاية من الفساد، ولدينا عشرات البحوث والدراسات ومشروعات القوانين التى يمكن أن تساهم فى ذلك، ولكن المهم أن تكون النية هى اقتلاع الجذور والأسباب وليس مجرد مطاردة مسئول أو أكثر.