زراعة الأعضاء.. رئات من حديد!
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 15 سبتمبر 2023 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
أمهلت نفسى بعضا من الوقت قبل أن أكتب عن تجربة رائدة مصرية خالصة فى مجال زراعة الأعضاء تمت بنجاح فى كلية طب عين شمس، وإن لم يشأ سبحانه وتعالى أن تشهد بطلة التجربة وقائع الاحتفاء بها فأسلمت الروح إلى بارئها. ما أتحدث عنه هذا الصباح هو الحدث العلمى بالغ الأهمية الذى تشارك فيه مجموعة من الجراحين والأطباء والفنيين والتمريض بلغوا ستين شخصا فى تخصصات مختلفة: أمراض وجراحات الصدر والتخدير وطب القلب والأوعية الدموية ظلوا يعملون على مدى أربعة عشر ساعة متصلة فى ثلاث حجرات للعمليات كاملة التجهيزات.
كان الحدث الأول الذى يتم فيه زراعة رئات لفتاة عشرينية من الفيوم تبرع لها أخواها كل منهما بفص من رئته.
عانت «سحر» طوال حياتها من أحد الأمراض النادرة التى تتسبب فى تليف نسيج الرئة الهش الذى صاغه سبحانه وتعالى فى رهافة مذهلة تسمح بتبادل غازات ثانى أكسيد الكربون والأكسجين فى يسر يسمح للإنسان بالتنفس دون جهد يذكر ليطرد غاز ثانى أكسيد الكربون ويستقبل الأكسجين عن طريق عملية فسيولوجية هى بالفعل السهل الممتنع. يتخلص الجسم من ثانى أكسيد الكربون ليستقبل الأكسجين: مفتاح الحياة الذى يغذى كل خلايا الجسم بما تحتاجه منه وعليه تعتمد فى كل نشاطاتها الحيوية.
أصيبت سحر بداء تليف الرئة الأمر الذى يحيل ذلك النسيج الهش الذى تغذيه آلاف الشعيرات الدموية الدقيقة، القابل دائما وفى حركة تلقائية لأن يحدث تبادل الغازات عبره إلى نسيج أصم أقرب إلى صفات نسيج لا حياة فيه. ينعكس هذا على عملية التنفس التى صاغها سبحانه فى سهولة ويسر حتى لا يشعر بها الإنسان أو ينتبه إلى رتابتها واستمراريتها دون كلل أو ملل. يعانى الإنسان فى تلك الأحوال مما يطلق عليه (air hunger) أو الجوع للهواء لتبدأ منظومة الفشل التنفسى بصورة مطردة مستمرة لا تتراجع حتى يصبح التنفس عملية مؤلمة مجهدة للإنسان لا يجدى معها إلا زراعة رئات جديدة فى جراحة بالغة التعقيد تعتمد على تقنيات بالغة الحداثة وتستلزم وجود فريق جراحى مؤهل على مستوى عال من التدريب والجاهزية وبالطبع إمكانيات مادية كبيرة لتغطية نفقات العملية. بدأت عمليات زراعة الرئة فى الولايات المتحدة وأوروبا منذ ما يقرب من عشرين عاما لتحقق الآن نجاحا لا يقل عن ٨٥٪.
من المعروف أن الإنسان يعتمد على ستين بالمائة من قدرات جهازه التنفسى فى الأحوال العادية لتظل نسبة الأربعين بالمائة الباقية رصيدا له فى حالات بذل الجهد العنيف أو التعرض لعدوى تحتاج إلى مقاومة الجسم لها. إذا ما تم نقل فص من الرئة من متبرع إلى متلقٍّ فإن المتبرع يفقد ما يوازى عشرة بالمائة من قدرات رئته. لم يمنع هذا اثنين هما أخوا سحر من التقدم للتبرع لها عن طيب خاطر: كانا يأملان فى أن تنتهى معاناتها المستمرة فى «اصطياد نسمة هوا» تنعش رئتيها العليلتين، وأن تنتهى رحلة عذابهما فى البحث عن اسطوانات الأكسجين التى كانت تعتمد عليها فى مواصلة حياتها القاسية.
اجتهد الأطباء والجراحون وفريق العمل الذى توزع فى ثلاث حجرات للعمليات. كان معهم مراقبا لعملهم مساعدا لهم جراح الصدر اليابانى الأشهر، والذى كان له السبق فى إرساء دعائم برنامج تلك الجراحة المعقدة، هيروشى داتيه، والذى أثنى على أدائهم المتميز وفهمهم للأمور وإدراكهم لحقيقة وتفاصيل الجراحة حتى نقل سحر على جهاز التنفس الصناعى وملاحظة أن رئتيها بالفعل بدأتا فى العمل لكن يد القدر كانت أسبق.
الواقع أن المملكة العربية السعودية تحظى ببرنامج ناجح لزراعة الرئة حتى إن لها موقعا على الشبكة العنكوبتية يمكن لأى مريض أن يسجل اسمه انتظارا للاختبارات التى تجرى للتأكد من أنه مؤهل بالفعل لزراعة الرئة.
برنامج السعودية بالفعل يحقق نسب نجاح تتماشى مع النسب العالمية، لم أعجب كثيرا حينما علمت هذا بل تمنيت لهم مزيدا من النجاح خاصة أن من أنشأ القسم مصرى ومن يعمل به حتى الآن هم مجموعة من أطباء مصر العظيمة. أتوقع تعليقا من كل من يهمه الأمر.