ثلاثة أشهر من حكم الرئيس مرسى: مواجع اقتصادية لا تنتهى


عالية المهدى

آخر تحديث: الإثنين 15 أكتوبر 2012 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

تبارى المحللون فى تقييم أداء السيد الرئيس خلال المائة يوم الاولى من حكمه. نظروا إلى وعوده الانتخابية العديدة واستمعوا إلى تصريحاته فى خطاب الاستاد حول حجم الإنجاز أو الاخفاق.

 

وأنا لن اتطرق لهذا الموضوع حيث سبقنى اليه الكثيرون ولن اضيف اليه كثيرا. فمتى انتفت معايير او مقاييس الحساب التى نستخدمها فى مقارنة الوضع قبل وبعد المائة يوم تصبح التصريحات والمقارنات عبارة عن هزل فى مجال الجد.

 

ولكنى سوف اتطرق لموضوع مسكوت عنه الا قليلا جدا طوال المائة يوم السابقة، وهو ماذا انجز الدكتور مرسى وحكومته فى المجال الاقتصادى؟

 

●●●

 

يتضح من متابعة التصريحات الرئاسية والوزارية واللقاءات الاعلامية المختلفة ان القضية الاقتصادية تحتل مكانة دنيا فى سلم اولويات الرئاسة والحكومة وسوف ادلل على ذلك من خلال مجموعة من الظواهر والملاحظات.

 

فالتركيز الاساسى للرئاسة حتى الان كان فى مجال السياسة الخارجية من خلال الزيارات لكل من الصين ونيويورك وفرنسا وايطاليا وتركيا واوغندا. هذا التركيز وان كان له شق اقتصادى متمثلا فى محاولة جذب استثمارات، الحصول على قروض او مساعدات، فإن الشق السياسى فى هذه الزيارات يبدو واضحا من خلال الرغبة قى تعريف المجتمع الدولى برئيس الجمهورية الجديد وتوجهاته واثبات الدور المصرى الجديد.

 

وعلى الرغم من اصطحاب الرئيس لعدد كبير من رجال الاعمال فى عدد من جولاته وزياراته فما زالت النتائج الاقتصادية لهذه الزيارات غير واضحة المعالم بعد. وقد يكون ذلك امرا متوقعا ومن ثم فان الحكم على بدايات ظهور تأثير سوف يكون جليا فى مكونات ميزان المدفوعات فى نهاية عام ٢٠١٢. فعجز ميزان المدفوعات فى نهاية ٢٠١١ بلغ ١١.٥ مليار دولار مقارنة بفائض قدره ٣.٤ مليار دولار فى نهاية ٢٠١٠. ومن ثم فان اى تحول اقتصادى ايجابى فى صورة زيادة فى الاستثمار الاجنبى المباشر او غير المباشر (فى تعاملات سوق المال) سوف تظهر نتائجه فى ميزان المدفوعات فى صورة انخفاض العجز به او تحوله إلى فائض، وهو ما نأمل به.

 

●●●

 

فاذا انتقلنا إلى دور الحكومة، فسوف نلاحظ ان التركيز الحكومى ينصب فى المقام الاول على قضيتين اقتصاديتين اساسيتين لا ثالث لهما وهما اولا، كيفية التعامل مع دعم الطاقة وترشيده او الحد منه بهدف ضغط عجز الموازنة العامة، وثانيا كيفية الحصول على قروض سواء من الصندوق او غيره لسداد عجز الموازنة العامة. وهذا التفكير فى ادارة امور البلاد الاقتصادية هو تفكير يمكن ان يوصف بأنه تفكير «محاسب» لا تفكير «اقتصادى». وهو مثل تفكير التاجر الذى يتعامل مع ايراداته ( التى يفترض ثباتها) ونفقاته المتزايدة او الضخمة وكيف يسعى بسرعة لسد عجزه.

 

وإذا كان هذا التفكير يعد مقبولا من التاجر او الصانع فهو ليس مقبولا من صانع السياسة الاقتصادية. فالسياسة الاقتصادية لاى دولة اكبر كثيرا من ان تختزل فى موازنة عامة مختلة. فالنظرة المستقبلية غائبة والتخطيط للمستقبل يكادا يكونا قاصرين على كيفية التعامل مع الاشهر القليلة القادمة. اما استخدام السياسة الاقتصادية بادواتها المتعددة بجانب السياسة المالية فهو امر مازال غائبا. فدور كل من السياسة النقدية والتجارة الخارجية وحوافز الاستثماروسياسات التشغيل.. إلخ. يكاد يكون غائبا من الصورة والاهتمام الحكومى كله منصب على السياسة المالية وحدها.

 

●●●

 

فما هى اوجه القصور الماثلة امامنا والمسكوت عنها او المهملة والتى تدل على مكانه الاقتصاد فى سلم اولويات الرئيس والحكومة؟

 

١ــ بداية نجد ان الرئيس حين فكر فى تكوين الفريق الرئاسى ضم اليه مجموعة من المتخصصين فى مجال التحليل السياسى، الاجتماع، القانون، الإعلام.. تخصصات متعددة باستثناء الاقتصاد. وهو امر إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة الاقتصاد المتدنية فى اولويات الرئيس.

 

٢ ــ ان اللجنة التأسيسية ليس بها اى متخصص فى مجال الاقتصاد. وقراءة مقترح المادة ٣٠ فى مسودة الدستور، وهى احدى المواد الاساسية المعنية بطبيعة النظام الاقتصادى للبلاد، دليل على ذلك. فقد جاء المقترح فى صورة هزلية غير واضحة المعالم. ولما كان الدستور هو ابو القوانين، الذى يرسم معالم النظام الاقتصادى الاجتماعى للبلاد ويضع الاساس لصياغة القوانين الاقتصادية فى الفترة التالية، فليس من المتوقع ان يمثل الدستورفى صورته الحالية اساسا سليما يرتكن اليه فى المستقبل عند صياغة القوانين الاقتصادية.

 

٣ ــ ان برنامج المائة يوم للرئيس افتقد لاى هدف متعلق بتحقيق زيادة معينة فى التشغيل أو الإنتاج أو الاستثمار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تبؤه للحكم وهو ما يؤكد نفس التوجه المذكور.

 

٤ ــ إن حديث السيد رئيس الوزراء يخلو تماما من أى أهداف معلنة عن المستهدف تحقيقه من تشغيل خلال العام المالى ٢٠١٢/٢٠١٣ وكيفية تحقيقه ودور كل من القطاع الخاص والعام والانشطة الاقتصادية المختلفة فى بلوغ هذا الهدف. كما يخلو من تحديد دور كل من المشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة على حدا فى تحقيق المستهدف.

 

٥ ــ كما يخلو خطابه من تحديد اهداف خاصة بكمية ونسبة زيادة الاستثمار والتصدير والناتج ودور كل قطاع نشاط اقتصادى فى بلوغ هذه الاهداف خلال فترة محددة ولتكن العام المالى ٢٠١٢/٢٠١٣.

 

٦ ــ إن خطاب السيد رئيس الوزراء والسيد وزير التخطيط لا يوضح لنا معدل التضخم المستهدف الوصول اليه خلال العام المالى الحالى.

 

لهذه الاسباب لابد وان اتساءل: هل الأداء الاقتصادى أو النشاط الاقتصادى بابعاده المختلفة يقع فى دائرة اهتمام صانع السياسة بالفعل ام ان الامر يعد قاصرا على قضيتى الدعم والحصول على قروض؟

 

●●●

 

أعتقد أن صانع السياسة الاقتصادية مازال يفتقر الكثير فيما يخص النظرة المستقبلية الدقيقة، الرؤية واضحة المعالم والخطة الشاملة متكاملة الابعاد التى تستخدم الادوات والاليات الكثيرة المتاحة لها.

 

فالأمراض الاقتصادية التى تنهش فى جسد الوطن كثيرة ولن يستقيم الأمر إذا ما اهمل علاجها. فالعجز فى الموازنة العامة هو الأسهل فى المعالجة من وجهة نظرى  بالمقارنة بمشكلات مثل تفاقم معدلات البطالة، ارتفاع عجز ميزان المدفوعات، تراجع الإنتاج فى عدد من القطاعات الأساسية مثل الصناعة والسياحة والخدمات وتردى نوعية وجودة المرافق الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحى والطرق والكبارى.

 

لهذا فإن مراجعة التوجه الاقتصادى الحالى والسياسات المخططة والمزمع اتباعها تصبح ضرورة ملحة فى الايام القادمة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved