هو العيد رغم الألم

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الثلاثاء 15 أكتوبر 2013 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

كل عام وأنتم بخير...

رغم عمق الآلام، لازالت عيوننا فى مثل هذه الأيام من كل عام تكتحل بمشاهدة الحجيج من كل فج عميق يزدحم بهم عرفات وتمتلئ بهم منى وترتج بتكبيرهم جنبات المسجد الحرام.. برغم الآلام هذا العام، إلا أن الهدوء النفسى الذى يغزو القلوب كلما تأمل المناسك ــ أسأل الله ألا يحرمنا وإياكم من تكرار أدائها ــ هدوء يغرى بالدعوة إلى هدنة مجتمعية شاملة.

والحق أن الوطن بأسره فى أمس الحاجة لهدنة يلتقط فيها أنفاسه ويعيد ترتيب أوراقه ويلملم شتات أبنائه ..وبصراحة لن نجد فرصة أفضل من أيام ذى الحجة بكل ما تحمله من فيض روحى وعطاء ربانى لنشبع هذه الحاجة.

ولست أعنى التيارات السياسية وحدها، بل الجميع يحتاج نفس الهدنة، فى البيت، فى العمل مع الزملاء مع الجيران، نحن بحاجة إلى هدنة نستشعر بها معنى حرمة الدماء والأموال والأعراض تلك التى أشار إليها النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذا اليوم بقوله: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا) يقصد يوم الحج وشهر ذى الحجة ومكة المكرمة.

نحتاج إلى هدنة نراجع فيها مواقفنا ونطهر ألسنتنا ونزيل الحقد والبغضاء من قلوبنا.. هدنة ننقى فيها أعمالنا من الأهواء الشخصية والمآرب الدنيوية.. هدنة نتأمل أثناءها أن أسباب تجمعنا أكبر بكثير من عوامل تفرقنا.. ولست ههنا أعرض بأحد بعينه، وما أبرئ نفسى ولا حزبى ولا التيار الإسلامى بأسره من تحمل المسئولية فى ما وصلنا إليه من احتقان بين أبناء الوطن الواحد فلا أحد منا ببساطة تجرى فى عروقه الدماء الزرقاء أو تكتسب اجتهاداته السياسية قداسة تحول بينها وبين النقد.

وأثناء الهدنة دعونا نبتكر ميثاقا للتعامل بين كل التيارات والأحزاب السياسية يستوعب حقيقة أن الخلافات بيننا موجودة وستظل حاضرة، لكن اتقان فن البحث عن المشترك أصبح ضرورة يستحيل أن نعيش بدونها.. ميثاق يجرم أن يصل الخلاف إلى حد القتل أو الضرب والشتم والإقصاء.. ميثاق يسعنا من خلاله أن نتحاور ويجادل كل منا خصمه بالحسنى حتى إذا لم نتفق افترقنا بهدوء.

ميثاق يكرس لثقافة الحوار فيمكننا من رؤية نماذج راقية فى الحوار نلتزم فيها التركيز على تقديم المعلومة المفيدة والحرص على البحث عن المشترك بدلا من الإصرار على النيل من الآخر والحط من شأنه، فيسمع كل محاور رأى غيره بهدوء ثم يصل فى نهاية المطاف ولو إلى نقطة اتفاق واحدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved