القاهرة وطهران.. سياقات التفاهم ومرتكزات التعاون
إيريني سعيد
آخر تحديث:
الأحد 15 أكتوبر 2023 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
ازدادت الدعوات مؤخرا، من أجل حتمية عودة العلاقات ما بين مصر وإيران، سيما فى ظل المستجدات الإقليمية والدولية المعاصرة، أيضا نتاج هذه المستجدات من تغيرات وحراكات، تقتضى أول ما تقتضيه وجوب التقاربات والتفاهمات ما بين الدول الفاعلة والمؤثرة وبعضها والبعض، وبينما لم تبد القاهرة أى اعتراض، تماشيا مع سياساتها الخارجية ودبلوماسيتها المعتادة بخصوص الانفتاح والقبول بالأطراف الإقليمية والدولية كافة، وفى ضوء احترام سيادتها وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، مع مراعاة مصالحها وبما لا يمس أو يضر بمصالح الجوار، فإن طهران لم تدع مناسبة إلا وتعلن ترحابها بعودة التطبيع، كونه يمثل ضرورة ملحة، فى ظل المواقف الإقليمية والأحداث الدولية المتعارف عليها.
سياقات التفاهم
لعل اللقاء الأخير ما بين السيد سامح شكرى وزير الخارجية بنظيره الإيرانى حسين أمير عبداللهيان، بمقر بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة، وعلى هامش فعاليات الجمعية العامة، مثل خطوة مهمة على صعيد بدء التفاهم بين الجانبين، وعلى نحو يضمن استمرارية هذا التفاهم، عبر توضيح الضوابط والمحددات، حيث تم التطرق إلى كيفية تطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين، وبما يضمن مصالح الشعبين، وفى ضوء الاحترام المتبادل وحسن الجوار، أيضا التعاون وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، بالمقابل أكد اللهيان رغبة إيران فى عودة العلاقات مع مصر، ومن ثم استعادة مسارها الطبيعى، وبما يتسق مع الميراث التاريخى والحضارى للدولتين.
وربما سبق هذا اللقاء مواقف متواترة من قبل طهران، رحبت من خلالها بالتعاون مع القاهرة، من ضمنها تصريحات على خامئنى المرشد الأعلى الإيرانى، والذى بادر بالترحاب باستئناف العلاقات مع مصر، مشيرا إلى رغبة بلاده فى التطبيع الكامل مع مصر، وفى إطار سياسات التقارب مع دول الجوار، كما أعرب المتحدث باسم الحكومة الإيرانية على بهادرى عن استعداد حكومة بلاده لتعزيز العلاقات مع مصر، مؤكدا أن الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى لفت إلى أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة فى هذا الشأن.
غير أن القاهرة دائما ما تحرص فى علاقاتها الدولية والإقليمية، على عدد من المبادئ الاستراتيجية، ومن ثم فإن التعاطى مع مثل هذه المواقف الدولية والإقليمية يتطلب تريثا واتزانا فى إدارته ومعالجته، وربما تتمثل هذه المبادئ فى:
_ الدبلوماسية المرنة والآلية الإنسانية ضمن أبرز آليات الخارجية المصرية، تلك والتى تتشكل فى ضوء عدد من المتغيرات الدولية والإقليمية المحيطة، ومع حالة الاتزان الدبلوماسى والرصانة المصرية، تغلب النزعة الإنسانية أيضا، تماشيا مع الأوضاع الكارثية وأزمات الشعوب.
_ فى ظل الأحداث المتصارعة وتغير القناعات ووجهات النظر تجاه العديد من القضايا والملفات العالقة، تحرص القاهرة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها، مع إرساء مبادئ السلام والاستقرار.
_ مراعاة العوامل الجيوسياسية سيما فى ظل المستجدات الأخيرة، والمترتبة على بروز عدد من الصراعات.
_ وضع الحسابات الاستراتيجية ومفاهيم التوازن فى الاعتبار، حرصا من القاهرة على عدم الإخلال بمصالحها، وبما لا يطال مصالح الآخرين.
ــ أيضا وطبقا لاستراتيجيات الخارجية المصرية، تحرص القاهرة على مراعاة السلام والاستقرار على المستويين الإقليمى والدولى، مع الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولى، إلى جانب احترام العهود والمواثيق الدولية، أيضا تعزيز التضامن والدفع نحو إصلاح الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الاهتمام بالبعد الاقتصادى للعلاقات الدولية، واعتبار الإطار العربى مجال تحرك رئيسى لسياسة مصر الخارجية، مع استمرار التركيز على النشاط الخارجى المتصل بالأطر الحيوية الأخرى المتمثلة فى الإطارين الإسلامى والأفريقى، وارتباط مصر بدول حوض النيل، والأهم إدراك الارتباط الكامل بين السياسة الخارجية المصرية وأوضاعها الداخلية.
مرتكزات التعاون
بغض النظر عن نقاط خلافية، طالما مثلت جوهر الخلاف بين البلدين، إلا أن ثمة آفاقا واسعة للتعاون، من الممكن التعويل عليها واعتمادها فى المرحلة القادمة، عبر عدة من المحاور والمرتكزات أبرزها:
أولا: المرتكز الجيو سياسى: يأتى المرتكز الجيو سياسى ضمن أبرز مرتكزات عودة العلاقات بين البلدين، كون مصر تعد البوابة الرئيسية لأفريقيا، وملتقى مهما ما بينها وبين آسيا، إلى جانب إشرافها على أهم ممر ملاحى عالمى كقناة السويس، والتى يعبر من خلالها أكثر من 75% من التجارة العالمية، بالمقابل تقع إيران على نقاط تماس حيوية ومهمة تجاه أهم المضائق الإقليمية وبعض الممرات الملاحية، أيضا تمتلك كلتا الدولتين مجموعة من الموارد البشرية والعوامل الثقافية والحضارية، مكنتهما من لعب أدوار إقليمية مهمة جدا.
ثانيا: المرتكز الاقتصادى: على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ضعيفة ومتراجعة، على خلفية عقود من الخلافات فى وجهات النظر، وربما لم تتخط الاستثمارات أو حتى التجارة البينية ما يعادل النصف مليار دولار، إلا أن الفرص الاقتصادية ما بين البلدين ما زالت قائمة وسانحة، خصوصا فى مجالات الطاقة، الملاحة، البنوك والسيارات، إلى جانب بعض الصناعات الاسترتيجية لدى الجانبين سواء الزراعية أو اليدوية والمنسوجات، أيضا التبادل التجارى والاستثمارات عبر الموارد الاقتصادية المتوفرة لدى الجانبين سواء الخدمات اللوجيستية والبنى التحتية، أو الحوافز التشريعية مع الخبرات والإمكانات، ذلك بخلاف عضويتى مصر وإيران بأبرز التحالفات الدولية والاقتصادية إن كان بريكس أو ترويكا.
ثالثا: المرتكز السياسى: فى ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية والتى تشهدها المنطقة، وعلى خلفية عدد من القضايا العربية العالقة، والتى ما زالت بحاجة إلى معالجة وتعاطٍ قوى، يعد المرتكز السياسى فى مقدمة مرتكزات عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، فكلتا الدولتين تتمتعان بريادة إقليمية وتأثير دولى، وبينما تبرز القاهرة كطرف مسئول معنى بجميع القضايا الإقليمية، متبنية العديد من القناعات والتوجهات تجاه معظم هذه القضايا والملفات كافة، تلعب طهران أدوارا محورية عبر سياستها ونهجها، غير أن ثمة بعض القضايا الملحة والتى تحتاج إلى توافق فى الرؤى من قبل الطرفين، أبرزها القضيتان الفلسطينية والسورية، وأيضا اليمن والعراق وغيرها من القضايا العربية، وربما انفتاح مصر على تركيا وقطر، أيضا انفتاح إيران على السعودية، جميعها مواقف من شأنها تعزيز التقارب المصرى الإيرانى، وفى هذا الإطار تحديدا وبحسب المتحدث باسم الخارجية، فإن اللقاء ما بين شكرى ونظيره الإيرانى، تطرق لاستعراض عدد من القضايا الإقليمية، أكد خلالها الجانبان التطلع نحو الإسهام فى تحقيق الاستقرار وتعزيز الأمن فى محيطهما الإقليمى، أيضا تم التأكيد على أن تشابك وتعقد أزمات المنطقة بات يلقى بظلال خطيرة على حالة الاستقرار والأوضاع المعيشية لجميع شعوبها دون استثناء، وهو الأمر الذى يقتضى تعاون جميع دول الإقليم من أجل دعم الاستقرار وتحقيق السلام والقضاء على بؤر التوتر.