فيلم مباراة 14 نوفمبر.. دراما ومعجزة
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الأحد 15 نوفمبر 2009 - 10:48 ص
بتوقيت القاهرة
أنا لا أصدق هذه الدراما.. لا أصدق تلك المعجزة.. لا أصدق تلك الإرادة الجبارة من شبابنا.. لا أصدق ما حدث.. لا أصدق أن منتخبنا الوطنى سجل هدفا فى الوقت الرائع وفى الوقت الضائع ليلعب مباراة فاصلة بقلب السودان الشقيق يوم 18 نوفمبر.. لا أصدق تلك الروح القتالية.. لا أصدق أن كرة القدم يمكن أن تتلاعب بنا وبحياتنا.. لقد بكيت فى تلك المباراة مرتين، مرة حين سجلنا الهدف الأول فى دقيقة ففتح أمامنا باب الأمل وطاقته، والثانية حين سجل متعب هدفنا الثانى، وانتزعه من وسط اليأس.. فأطلق الفرحة فى ربوع ونجوع ومدن مصر.. يا حبيتى مصر. حبك يجعلنا مثل الأطفال نبكى ونفرح ونرقص ونهتف ونقفز.. بنحبك يامصر.. نحن نحبكم يا أبطال مصر.. يا شباب مصر يا أجمل أغنية فى الكون..
تلك كرة القدم.. لقد عاشت جماهيرنا فيلما دراميا.. يعجز تصوره وتأليفه كاتبة الرعب البريطانية أجاثا كريستى ويعجز عن إخراجه مخرج الرعب ألفريد هيتكشوك.
لماذا يا كرة.. تلاعبتنى بنا وزرعتى فى قلوبنا أمل الفوز والصعود مبكرا بهدف عمرو زكى.. لماذا يا كرة تمنحى وأنت تمنعى وتمنحى حين نظنك تمنعى.. لماذا يا كرة تعطى لحظة وتتمنعى لحظات.. لماذا يا كرة تقدمتى إلينا وهرولتى ثم توقفتى ونحن نفتح ذراعينا لاحتضانك بسعادة وحب.. لماذا يا كرة رأيناك تترجلين وترحلين.. وتتركينا وسط حزن، ثم عدتى إلينا وفجرتى فينا الفرحة.. لماذا فعلتى بنا ما فعلتيه باستاد القاهرة، معبد الكرة المصرية؟!
نحن نحبك أيتها الجميلة.. نحب فيكى تلك الدراما وتلك الدروس التى تعلمنا إننا دائما نستطيع حين نريد. نحبك لأنك تعلمينا دائما أنه لا يأس أبدا مادامت فى العروق دماء وقلب ينبض وروح المصرى التى لا تعرف المستحيل. مبروك يا مصر الفوز.. ويبقى الفوز بالصعود للمونديال..
شكرا يا شباب مصر على تلك الروح وعلى هذا الأداء وعلى تلك السعادة التى منحتوها لنا طوال سنوات..وشكرا أيها الجمهور البطل والنجم..
يدى ترتعش، وقلبى ينتفض، وصدرى يضيق، ونفسى يذهب، وأجد صعوبة فى الكتابة، لا أجد الكلمات. أنا لا أصدق.. كنت أرتب أوراقى، وأفكارى وأحلامى، وأستعد لمتابعة المباراة التى بدأت بالفعل قبل دقيقة، وفجأة وجدت عبدالظاهر يسدد، ويتصدى الحارس الجزائرى وناس جواوى ببراعة. ثم يسدد أبوتريكة فيتصدى لها القائم الجزائرى ببراعة. وسدد مرة ثالثة زيدان فتصدى لها الحارس الجزائرى لكنه هذه المرة وجد عمرو زكى متابعا ليسجل هدفا لمصر فى الوقت الرائع، فهل هناك بداية أفضل أو أروع من ذلك لفريق يبحث عن الفوز بهدفين.. وهل هناك نهاية درامية ممتعة أكثر من تلك النهاية؟!
** ( 1 ): المباراة بعكس كل التوقعات وبعكس كتاب السيناريو جميعا شهدت فى بدايتها، وفى شوطها الأول لعبا مفتوحا ومساحات، وجملا تكتيكية مميزة من جانب المنتخب لمصرى، بدا فيها عقل المدير الفنى وتدريبه وتدريسه.. وجمع المنتخب بين البناء من وسط الملعب للهجمات وبين سرعة تبادل ونقل الكرة وتحركات مجموعة الهجوم الرئيسية، عمرو زكى، وزيدان، وأبوتريكة، وبمساندة أحمد حسن من قلب الوسط ومعوض فى الجبهة اليسرى، والمحمدى وفتحى من اليمنى.. الحركة الدائرية للثلاثى زكى وأبوتريكة وزيدان فى 30 مترا مربعا بالمقدمة كانت مميزة جدا، وأصابت مدافعى الجزائر بالحيرة فى الدقائق الأولى خاصة بعد الهدف المبكر.
** ( 2 ): المنتخب الوطنى لعب بطريقة أقرب إلى 4/ 3/2/1.. وهى من إبداعات تيرى فينابلز مدرب منتخب إنجلترا فى مطلع التسعينيات، وأطلق عليها الإنجليز فى ذلك الوقت: «طريقة شجرة الكريسماس». فهى من قاعدة دفاعية صلبة ثم تمضى هرميا حتى عمرو زكى.. شجرة الكريسماس أثمرت هدفا مبكرا مفرحا.. وقد دفع فيها حسن شحاتة بثلاثة لاعبين فى الوسط لمواجهة الثلاثى الجزائرى مراد مغنى ولاموشيه ومنصورى.. الفارق هنا كان فى تكليف أحمد حسن بواجبين، دفاعا وهجوما، وتحريك أحمد فتحى أحيانا فى اختراقات متقدمة بديلة لخطوط المحمدى من الجهة اليمنى.
** ( 3 ): لعب المنتخب الجزائر بطريقة أقرب إلى 3/ 5/ 2 وكانت مغامرة نسبية من رابح سعدان، بتعزيز الوسط على حساب صلابة الدفاع بالزيادة العديدة. لكنه أراد تحصين مرماه بخط دفاع أول من خمسة لاعبين وهم مراد مغنى، ولاموشيه ومنصورى، وأمامهم نذير بلحاج وكريم مطمور..
** ( 4 ): المنتخب الوطنى يهاجم ويبنى ويسيطر، ويجبر منتخب الجزائر على العودة والتراجع لحماية حدوده الأمنة بعد أن تسبب الضغط المبكر على لاعبى مصر من وجود ثغرات ومساحات فى الوسط لمصلحة حمص وأحمد حسن وأبوتريكة....وهذا التراجع يمنح لاعبينا الفرصة للاستحواذ وامتلاك المبادرة وشن الهجمات المتتالية فى استغلال مثالى لارتباك الدفاع الجزائرى، فالهدف المبكر وهذا الهجوم المصرى بتلك السرعات وبتلك الدقة أمر لم يكن فى الحسابات فى الجزائرية، لم يكن فى المحاضرة، لم يكن فى المقرر. وكاد أبوتريكة أن يسجل هدف المنتخب الثانى فى الدقيقة التاسعة ليريح الأعصاب عندما سددت لكن القائم الجزائرى مارس هوايته وتصدى للكرة باقتدار.. أين يتدرب هذا القائم؟!..
** ( 5 ): تماسك منتخب الجزائر وبدأ فى مبادلة فريقنا الوطنى الهجمات.. وتحول إلى الضغط بعد خط المنتصف بواسطة صايفى وزيانى ومطمور.. وظهرت خطورة الكرات الثابتة على عرين الحضرى، لكنه أنقذه من كرة خطيرة، ثم حولها أحمد فتحى مطهرا المنطقة.. تظل الكرات الثابتة مربكة لنا. وهو أمر غريب، فالكرات «المولودة» من هجمات حركية بالكرة يفترض خطورتها وليست الثابتة.. وهذا الخطر صنع القلق فى المدرجات خاصة فى نصف الثانى من الشوط الأول الذى نشط فيه المنتخب الجزائرى نسبيا. فكانت الصيحات تهرب من القلب: «ياساتر. يارب. حاسب!»
** ( 6 ): المبادرة الكاملة التى كانت لمنتخب مصر سحبت منه قليلا فى نهاية الشوط الأول، وبداية الثانى.. خاصة بعد لجوء الفريق الجزائرى إلى نقل اللعب بتمريرات طولية مباشرة لرأس الحربة رفيق صايفى الذى أهدر فرصة تهديف من انفراد بعد مروره من هانى سعيد لاعبنا الأخير فى الخط الخلفى، إلا ان الحضرى يواصل تألقه، ويخرج الكرة بطرف أظافره.. هذا اللعب المفتوح غير المتوقع يحسب لمنتخب مصر بسرعة نقل الكرة.. وهو ما يعرف بفرض الأسلوب.. ومن ذلك على سبيل المثال تمريرة عكسية من زيدان إلى سيد معوض ثم إلى أبوتريكة. لاحظ هذا التبادل الدائرى بين الثلاثى زيدان وأبوتريكة.. فى الدقيقة العاشرة من الشوط الثانى دفع حسن شحاتة بمحمد بركات بدلا من محمد حمص، ليزيد من عدد مجموعة المهاجمين وأصحاب النزعة الإيجابية فى التحرك والأداء والدور.. ثم لعب عماد متعب بدلا من زكى بعد الجهد الذى بذله فى 65 دقيقة من المباراة..
** ( 7): نجح منتخب الجزائر فى جعل مهمة المنتخب المصرى أصعب، بالضغط الهجومى عبر الرباعى بلحاج وصايفى وزيانى ومطمور بالمقابلة فى ملعب المنتخب، وهو ما يؤخر بناء هجمات الفريق الوطنى.. ويؤدى فى النهاية عند انتقال الكرة إلى الملعب الجزائرى إلى التسرع.. ثم إن أحمد حسن تأخر قليلا للخلف فى الوسط بعد خروج حمص يملأ المساحة التى فرغت من خروجه..وفى الدقيقة 32 لعب أحمد عيد الملك بدلا من زيدان لتجديد دماء الفريق وبث الحيوية فى صفوفه. وفى تلك اللحظة لاحت الفرصة الحقيقة الأولى للفريق الوطنى من ضربة ركنية.. من ضربة رأس المحمدى. يا تعب الأعصاب؟!
** ( 8 ): الهجمات المضادة الجزائرية باتت فى ربع الساعة الأخير خطيرة، فهى سريعة، ومكونة من أربعة لاعبين مقابل ثلاثة مدافعين مصريين.. وتلك ضريبة الاندفاع الهجومى الذى لابد منه، فلا خيار آخر أمام المنتخب الوطنى.. الدقائق الأخيرة كان شعارها: الهجوم.. الهجوم.. ولو بالمغامرة والمقامرة.. لكن كراتنا العرضية تذهب غالبا إلى الحارس الجزائرى، فيما شن المنتخب الوطنى فى تلك الدقائق هجمات بدت مثل المتوالية العددية.. إلا أن الكرة تأبى أن تهز شباك الفريق الجزائرية.. لماذا يا كرة؟!