عن تجاهل شهادات الضحايا

سارة خورشيد
سارة خورشيد

آخر تحديث: السبت 15 ديسمبر 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تذكرنى ردود أفعال بعض الأصدقاء من الإخوان المسلمين ومؤيدى مرسى بخصوص أحداث الاتحادية، 5 ديسمبر، بحوار قديم جرى عام 2004 بينى وبين ناشطة بريطانية اسمها فيليسيتى أربوثنوت كرست حياتها لنصرة العراق وأفغانستان ضد عدوان حكومة بلدها عليهما. تحدثت معها عن قطاع من الجنود الأمريكيين الذين كانوا منتشرين بالعراق: ذكرت لها صغر سنهم وقلة خبرتهم وإيمانهم بأنهم كانوا يؤدون رسالة عظيمة لتحرير العراق أو نصرة المبادئ المسيحية وغيرها من الأهداف التى يفترض فيها النبل. وطرحت عليها سؤالا عما إن كان هؤلاء الصغار مذنبين عمدا أم مُعْفَيْن من الذنب لصغر سنهم ولجهلهم التام بالحقائق من الجوانب المختلفة خارج الإطار الأمريكى والغربى الذى تربوا فيه.

 

فردت على بحسم: «الإنترنت أمامهم والمعلومات متاحة ويمكنهم الوصول للحقيقة» إن كانوا فعلا يرغبون فى ذلك ولا يكتفون بالطريق السهل.

 

●●●

 

و يبدو أن هناك من أعضاء الإخوان وباقى مؤيدى الرئيس من لا يريد فعلا أن يصل للحقيقة، أو على الأقل لمعلومات مختلفة عن الخطاب الإخوانى السائد، معلومات من الطرف الآخر. لا يريد بعض من ينحدرون من عائلات إخوانية، تربوا على أيدى قيادات الجماعة أن يصدقوا أن هؤلاء القادة الأفاضل قد تكون يداهم ملوثة بالدماء بوقع الضحايا التى وقعت من الطرفين بسبب أمر أصدروه، أو أنهم قد لا يكونوا بالبراءة التى عهدوها فيهم وفى أسرهم المتدينة وأبنائهم المهذبين. ولن يحاول آخرون ممن عرفوا الالتزام الدينى والصحبة الصالحة على يد الإخوان فى الجامعة أو المسجد أن يستمعوا لشهادات تدين هؤلاء الذين لم يعرفوا فيهم إلا الخير وتقوى الله.

 

يكتفى بعضهم (و«بعضهم» تفيد الامتناع عن التعميم) بالطريق السهل وهو السماع للخطاب الإخوانى المعتاد عن كون الإخوان على حق وحسنى النية مهما قيل عنهم. ويمتنعون عن سماع الشهادات المنافية لهذا الخطاب. و اليوتيوب ملىء بفيديوهات دامغة عن السفير يحيى نجم والشاب مينا فيليب والشاب أحمد طلخان والناشطة علا شهبة وغيرهم الكثيرين من ضحايا التعذيب الذين يتهمون أنصار مرسى الذين تواجدوا يوم الاتحادية ويحملونهم مسئولية ما لحق بهم من عدوان بغير حق، لكن الكثير من الإخوان لن يستمعوا لتلك الشهادات وسيعتبرونها «ملفقة» حتى لا يضطروا لمعرفة ما سيؤلمهم، فى حين أنهم يرون شهادات أفراد الإخوان ومؤيدى مرسى قطعا صحيحة ولا صحيح غيرها ولا حاجة للتحقق منها.

 

قد تعاودهم الشكوك من كثرة ما يتناثر كل يوم من شهادات تدين الإخوان بالأدلة، على ألسنة شهود عيان، فيتغاضى عن الشهادات من يريد أن يتغاض عنها بحجة «الفتنة» التى يجب تركها. وهى ليست فتنة. بل الحق بين والظلم والضلال لم يمحوانه. ومن قتل ومن أصيب ومن ضرب ومن عذب فى رقبة الرئيس، وفى رقبة من أمروا أنصاره بأن يذهبون لتأييده بادئين المعركة ومقتحمين لاعتصام سلمى بهدف فضه وناكرين على المعتدى عليهم حق الدفاع عن أنفسهم وحماية اعتصامهم.

 

●●●

 

يتحدث الكثير من الضحايا الذين تم القبض عليهم من قبل أنصار مرسى وتعذيبهم يوم الاتحادية عن تورط إخوانيين بشكل مباشر فى تعذيبهم أثناء احتجازهم، يسردون التفاصيل المؤلمة ويقدمون أدلتهم. وينفى الإخوان ويلقون اللوم على مندسين مجهولين أو أعضاء جماعات إسلامية أخرى؛ والحق أن الإخوان هم من دعوا لاقتحام الإتحادية و قادوا الفعالية المشئومة، ولم يكن ما حدث ليحدث لولا إصرارهم على ذلك، وهم من يجب أن يحاسب على تبعات قرارهم.

 

ويعيد أنصار مرسى إدانة بعض القيادات الليبرالية ومن يطلق عليهم المدنيون مرة تلو الأخرى ويحملونهم مسئولية إثارة العنف، والحق أن هؤلاء يتصرفون بصبيانية ويرتكبون فظائع لا تخفى على الكثيرين من الثوار، لكنهم لا يقودون تنظيما مشهودا له بأنه الأكثر إحكاما بين القوى السياسية المصرية، بل أتباعهم محدودون والثوار فرادى مشرذمون، والكثير من الثوار على الأرض يدين تلك الشخصيات التى تحاول أن تجد لنفسها مكانا فى ركب الثورة. وأخطاء تلك الشخصيات مهما عظمت لا تبرر أخطاء الإخوان التى لا يصمت عليها غير شيطان أخرس أو مخلص نسى أنه ملزم بنصرة أخاه ظالما أو مظلوما.

 

●●●

 

لكن الذين اختاروا الطريق السهل سيؤكدون أن الإخوان هم أخلص المصريين نية وسيذكرون بأن قيادات الجماعة يتقون الله، وكأنهم تسللوا إلى صدورهم التى لا يعلم ما بداخلها إلا خالقها.

 

لن يحاولوا التحقق من الأدلة التى تنافى هوى أنفسهم ولن يبحثوا عن شهادات الشهود ربما لأنهم يتفادون الحقيقة التى قد تكون صدمتها مفجعة كصدمة من عرف لأول مرة فجاعة أحداث الفتن الكبرى التى دارت فى عهد الصحابة، فلم تتحمل نفسه حقيقة أن الصحابة بشر و قد يخطئون. والإخوان ليسوا صحابة بل هم أقل بالضرورة ــ هم حتما بشر أخطئوا، و هم الآن متهمون بارتكاب الجرائم.

 

أما المخدرة ضمائرهم فقد يكونون كالجنود الأمريكيين الذين لعنتهم صديقتى البريطانية الرافضة للعدوان الأمريكى البريطانى على العراق: لا عذر لهم، لأن المعلومات متاحة والإنترنت موجود والشهود كثيرون. وتجاهل الحقائق جريمة.

 

 

 

صحفية وكاتبة مصرية متخصصة فى تغطية الشئون السياسية والاجتماعية بمصر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved