مقهى الفيسبوك الثورى
سلام الكواكبي
آخر تحديث:
السبت 15 ديسمبر 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
سارعت بعض التحليلات إلى اعتبار أن الانتفاضات العربية هى من منتجات الثورة الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعى. وعلى الرغم من الدور المهم الذى تلعبه ومن الممكن أن تلعبه هذه الوسائل، إلا أنه من المناسب التأنى فى هذا الحسم والنظر بتعمق إلى معطيات عديدة تحدّ من حتميته وتتعلق بمدى محو الأمية الإنترنتية إجمالا فى الدول التى تجاوزت مرحلة إسقاط رأس النظام وهى فى طور التخلص من هيكليته وعقليته وبقاياه الراسخة ثقافة وممارسة. كما فى الدول التى هى فى طور الصراع الدامى لنيل حريتها كسوريا.
هذا الحذر المشروع لا يمنع من مقاربة نقدية لثقافة فيسبوكية تسيطر على عملية بناء الوعى السياسى والثقافى لدى العامة، وتجذب بعضا ممن لهم صولات وجولات فى الإنتاج الفكرى والسياسى.
●●●
وفى الشأن السورى، يمكن أن نتابع فى الفيسبوك إعادة انتاج مقهى المثقفين، على الرغم من كل القيود الأمنية، بمرتاديه ومواضيعه. والمشترك هنا هو طبيعة الحوار وسهولة الموقف وسرعة رد الفعل وسطحية التحليل وتلقائية الحكم، وكلها، بنسب متفاوتة طبعا.
فالشأنان السياسى كما الدينى أضحيا سلعة مستساغة التعامل والتفسير والتحليل، وربما يُعتبر هذا الجانب إيجابيا من جهة ما لمساهمته فى توسيع رقعة الفعل السياسى ولو افتراضيا. ولكنها فى نفس الوقت تثمّن الوعى المستند أكثر فأكثر على أخبار الشبكات وتعليقاتها منه إلى قراءة متأنية ومحاولة متعمقة فى فهم الحدث وتبعاته.
لقد أتاح الفيسبوك إنتاج فئات جديدة من المحللين والمعلقين السياسيين السوريين الذين لا يقبلون رأيا مخالفا فى أحسن الأحوال أو أنهم يسفهّون من لم يسر على درب تجلياتهم متحصنين بالحالة الافتراضية التى تسمح لهم بالتموقع والتقوقع وتحميهم من المواجهة المباشرة التى تقع فى مقهى المثقفين إياه.
●●●
العلاقة مع الآخر، الائتلاف الوطنى، المجلس الوطنى، أشخاص المشهد السياسى، القوى الخارجية، الطوائف، الأديان والتفسيرات، القيم والسياسات، أضحت مادة سريعة التداول (والعطب؟) من خلال انخراط كثير من السوريين فى النضال الفيسبوكى. ولقد شعر البعض ممن حمى نفسه من الوقوع فى هذه التجربة الحساسة، بوجوب الخوض فيها، ولو متأخرا، واستغلال أدواتها ومحاولة تطويعها لصالح فكرته أو موقفه. ولكن هذا الانغماس اليومى وشبه اللحظى فى هذا المجال الافتراضى كاد أن يحيد بصانعى الرأى أو محللى الموقف أو مراكمى المعرفة عن مسارهم التقليدى/المتجدد فى الانتاج ويحملهم إلى النهل من «ثقافة» افتراضية ومحاولة التأثير فيها. وربما ساهم هذا الجانب فى رفد مقدراتهم التعليقية وتعزيز كفاءة الاختصار والترميز، إلا أنه قد يساهم أيضا فى تغيير طبيعة دورهم المنشود أو المنتظر.
الفيسبوك حافل بالكثير من الغث والقليل من الثمين، ولكنه فى النهاية، وسيلة اتصال وتواصل وتوصيل، إن أحسن استغلالها نسبيا، كان لها أثر إيجابى نسبى، ولكن من الخطر أن تكون مرجعية معلوماتية أو تحليلية.
نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى