عن «العلماء» السيئين
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 15 ديسمبر 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم يخلُ المشهد العربى الراهن من صورة رجال الدين وهم يشغلون موقع الصدارة فى خضم الأزمات المتلاحقة. بعض هؤلاء فضلاء، ويعملون على تعميم القيم وإخماد الفتن وإفشاء الخير من أجل الصالح العام. بعضهم الآخر سيئون، أفَّاكون، ولا يتوانون عن إشاعة الكراهية، والحض على الفتنة والدعوة إلى القتل، باسم السماء التى نصَبوا أنفسهم وكلاء عنها وحاكمين بأمرها.
فى الأدبيات الاسلامية، ثمة من اصطلح على تسميتهم ورثة الانبياء وهم علماء الدين الذين لا خلاف على ضرورة الإعلاء من شأنهم واحترام مقامهم وتقدير دورهم فى تبليغ التعاليم الدينية على اساس المحبة والفضيلة. وفى الضفة الأخرى من الأدبيات ذاتها، ثمة من يسمون بـ«علماء» السوء، وهم الذين يتجلببون بالدين ويسيئون إلى الناس والدين، معا، إما جهلا أو نفاقا.
فى الشكل، يكفى «عالم» السوء الانتساب إلى معهد دينى والتردد اليه، حتى يستطيع تقديم نفسه فى زمرة العارفين بأسرار الشريعة والواصلين إلى الحقيقة. طبعا، يجب أن يقترن ذلك بإطلاق اللحية، واعتمار العمامة مع دربة على التكلم بالفصحى، والحديث بلهجة منمقة تراعى أحكام التفخيم والغنة، إضافة إلى التزود ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الشرعية، استكمالا لعدة العمل فى اجتذاب الناس والهيمنة على عقولهم. فالتشبه بالعلماء شكلا يكفى للانتظام فعلا بسلك رجال الدين، وصولا إلى إمارة المؤمنين والإمساك بناصيتهم دينا ودنيا.
فى الخطاب، لا يجد عالم السوء نفسه إلا بالتحريض على الخلاف والفرقة، والحض على التعصب وإلغاء الآخر، وإلباس الأزمات بعدا دينيا ومذهبيا. ديدنه، فى ذلك، استكمال معارك التاريخ مع استنباش الماضى بكل كراهياته. ومؤونته، فى هذه المهمة، المزايدة وشق عصا الناس والدعوة إلى النفور و«النفير». وهو، على كل حال، فى اقصى التطرف حتى لو ادعى الوسطية، وفى منتهى الانحياز حين يبادر إلى وساطة، وفى ذروة التعصب مهما وضع نفسه فى خانة الانفتاح.
أما فى العمق، وبخلاف ما هم عليه رجال الدين المخلصون، فإن علماء السوء هم غالبا من الذين يبدأون حياتهم مهمشين فى بيئاتهم الاجتماعية وفاشلين فى دراساتهم الأكاديمية، فيتجهون إلى المعاهد الدينية لسهولة الانتساب وحتمية التخرج. وذلك ليس بالضرورة فى سبيل الدين والتدين، بل من أجل إثبات الحضور، والمكانة الاجتماعية، والترزق بقليل من الجهد والكلفة، على قاعدة أنا أرغب أن أكون «عالما دينيا»، إذا أنا من «علماء الدين».
على أن المشكلة لا تنحصر فى مشايخ السوء، بل باتباع الناس لهم مع ما هم عليه من استخفاف بعقول العامة. فالناس، إلى جانب المعاهد الدينية، مسؤولون عن تخريج عالم السوء وتنصيبه شيخا فى المجتمع، حيث يُطاع إن أَمَرَ، ويُنصَت إليه إن حَكَى، ويُمشَى خلفه أينما مضى، ويفسح له فى المجالس، وترفع لخطبه المنابر، وتقدم من أجله النذور والأضاحى. وفوق ذلك، كل من يخالفه أو يعصى له أمرا، فهو فاسق أو كافر أو مارق.
علماء السوء، إن كانوا مع السلطة فهم وعاظ سلاطين، وإن كانوا من المعارضة فدعاة كره وتفريق. وهم فى كل الأحوال لا يربطهم بالدين والعلم سوى هيئة من العلماء، تنتسب إلى المسلمين.
حبيب فياض