تحسُّن العلاقات مع الدول العربية.. ربيع عبرى بدلا من ربيع عربى
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 15 ديسمبر 2017 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
لم يكن الربيع العربى الذى انطلق قبل ستة أعوام مع موجة من الثورات التى غيّرت وجه الشرق الأوسط، يشبه ربيع الشعوب فى براغ الذى أدخل الأجواء الليبرالية إلى تشيكوسلوفيكا فى الستينيات. لم يحمل الربيع العربى الديمقراطية والحرية، على الرغم من خروج الجماهير إلى الشوارع ومطالبتها بالتغيير على أمل وضع حد للأنظمة الاستبدادية التى حكمت عشرات السنوات بيد من حديد، والوضع اليوم فى أغلبية هذه البلاد أسوأ مما كان عليه قبل التظاهرات. لقد فاقم الربيع العربى الشرخ القائم بين المتدينين والعلمانيين، وبين الوطنيين والقوميين، وطبعا بين السنّة والشيعة. كثيرون فى العالم العربى، وبينهم صحفيون ومعلقون كبار، يتهمون إسرائيل بأنها أفشلت عن قصد الربيع العربى من أجل عقد تحالفات مع زعماء عرب بخلاف رغبة شعوبهم.
وبدلا من «الربيع العربى» بدأ ينتشر فى الأشهر الأخيرة مصطلح جديد فى الصحافة العربية هو «الربيع العبرى»، أى التقارب بين الدول العربية وبين إسرائيل وتهميش القضية الفلسطينية.
ثمة مؤشرات عديدة إلى الربيع العبرى، مثل: قبل بضعة أسابيع أعرب الوزير السودانى للاستثمارات الأجنبية، فاضل المهدى، عن تأييده قيام علاقات وتطبيع مع إسرائيل؛ إدانة أمير البحرين حمد بن جاسم آل خليفة المقاطعة العربية لإسرائيل، وقوله إنه مسموح لمواطنى دولته زيارة إسرائيل (وفعلا وصل قبل أيام وفد مؤلف من 24 شخصية دينية من البحرين فى زيارة تاريخية إلى إسرائيل)؛ التقارير العلنية التى تحدثت عن لقاء جرى بين ولى العهد السعودى ورئيس الحكومة الإسرائيلية؛ اجتماع الرئيس المصرى السيسى علنا مع رئيس الحكومة فى الوقت الذى يُصدر فيه مفتى السعودية فتوى تحرّم قتل الإسرائيليين، وهناك المقابلة التى أجراها موقع سعودى مع رئيس الأركان الإسرائيلى.
وبينما تنمو إسرائيل وتزدهر وتتغلغل فى أسواق كثيرة فى إفريقيا، تتفكك الدول العربية نتيجة الحروب الدائرة بينها. بالنسبة إلى العرب إسرائيل هى دولة قوية ومتحضرة ولديها ما تقترحه عليهم، ولهذا هم يغازلونها.
وباستثناء تصريحات الزعماء، من اللافت أن العالم العربى لم تثُر ثائرته لدى سماعه إعلان ترامب أن القدس عاصمة للشعب اليهودى ولدولته. لقد حاول الفلسطينيون بكل قواهم إشعال العالم العربى وتحريض الجماهير، لكن من الواضح أن جهودهم لم تفلح. لم تعد القضية الفلسطينية تهم أحدا، ولكل زعيم عربى مصائبه الخاصة.
يتعامل العرب فى المنطقة اليوم، فى أغلبيتهم، مع القضية الفلسطينية بصفتها عبئا. والسؤال الذى يُطرح فى أوساط كثيرة هو: ماذا حملت القضية الفلسطينية غير الحروب والدمار إلى الدول العربية؟ هذا ما حدث فى الأربعينيات عندما أيّد مفتى القدس الحاج أمين الحسينى هتلر وتعاون مع النازيين، وهذا ما حدث فى سنة 1970 فى أيلول الأسود فى الأردن، وفى لبنان حيث كان الوجود الفلسطينى سببا أساسيا للحرب الأهلية التى استمرت من 1975سنة إلى سنة 1991، وهذا ما حدث على الصعيد السياسى عندما أيّد ياسر عرفات فى مطلع التسعينيات صدام حسين فى غزو الكويت وأثار غضب دول الخليج. ولا يزال هذا التوجّه مستمرا اليوم أيضا، عندما يقوم الفلسطينيون بتشويه سمعة السعوديين ويفتحون قنوات التحاور مع إيران، الأمر الذى يؤدى إلى غضب كثيرين فى المجتمع العربى وبصورة خاصة السعوديين.
هناك عامل مهم ساهم فى ازدهار الربيع العبرى، هو بالطبع تهديد إيران الدول العربية واستقرارها، وليس حب اليهود بل كراهية إيران. تشعر دول الخليج بأنها مهددة من الإيرانيين، الذين باتوا يسيطرون على أربع دول عربية: لبنان، سوريا، العراق، واليمن. يعرف الزعماء العرب جيدا أن الإيرانيين وضعوا هدفا هو تصدير الثورة الشيعية إلى العالم العربى وخصوصا إلى الدول الإسلامية التى توجد فيها الطائفة الشيعية. ويشكل تدخل إيران العسكرى، والاقتصادى، والدينى، تهديدا استراتيجيا ويلحق ضررا كبيرا بالأمن القومى لهذه الدول.
أدت جميع هذه العوامل إلى نشوء وضع جديد، كان منذ وقت قصير يُعتبر أمرا طوباويا. نحن نشهد فعلا تحسنا واضحا فى العلاقات مع الدول العربية وخصوصا مع دول الخليج المعتدلة، التى تضعنا فى كتلة واحدة معها ضد إيران وتجعلنا حليفة لها فى الشرق الأوسط.