أسئلة التعديات الصعبة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 15 ديسمبر 2020 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
نشر الأستاذ هانى يونس، الكاتب الصحفى، والمستشار الإعلامى لرئيس الوزراء على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» خبرا مفاده أن جهاز مدينة «القاهرة الجديدة» استرد ــ فى حملة مكبرة ــ قطعة أرض من أملاك الدولة على مساحة 15 فدانا، وازال 188 مبنى عليها، تشمل محلات واكشاكا ومزرعتى حيوانات وأربعة مراكز صيانة، وغيرها، كل ذلك جرى فى غضون ثلاث ساعات.
الخبر مٌفرح، وفيه تعبير عن استرداد الدولة لأراضيها، وحقوقها ممن استولوا عليها، وأقاموا عليها مشروعات شملت البناء، والتشطيب، والتجهيزات، وخلافه. يطرح ذلك علامات استفهام على غرار أسئلة عالم الاجتماع الأمريكى الشهير هارولد لاسويل: متى وكيف حدثت هذه التعديات؟ ومَن قام بها؟
السؤال الأول: متى حدثت هذه التعديات؟ هى ليست وليدة الأمس، أو حتى أول أمس، لها فترة طويلة، تراكمت خلالها على قطعة أرض كبيرة نسبيا تصل إلى نحو خمسة وستين ألف متر مربع، أنشىءعليها نحو 188 مبنى، متعدد الأشكال والاستخدامات.
السؤال الثانى: كيف حدثت هذه التعديات على أرض مملوكة لجهاز القاهرة الجديدة، والذى من المفترض أن لديه ــ شأنه شأن سائر الأجهزة المماثلة ــ وسائل متابعة، وملاحظة، ورقابة؟ نحن لا نتحدث عن مبنى أو اثنين، أو دور مخالف أو اثنين، ولكن عن قطعة أرض كبيرة نسبيا، أقيمت عليها أبنية بالعشرات، فهى ــ إذن ــ مسألة ملحوظة، ولا يمكن التعلل بالاكتشاف المفاجئ لها.
السؤال الثالث: مَن قام بهذه التعديات؟ هل هم أفراد عاديون، أم رجال أعمال أم أصحاب نفوذ وسلطة، وخلافه، وهم بالتأكيد لم يفعلوا ذلك بموجب تراخيص قانونية، لأنهم لا يملكون الأرض نفسها، وبالتالى فهم استولوا على أرض مملوكة للدولة، وأقاموا مشروعات عليها، وبنوا أسوارا، ولم تتحرك أجهزة الدولة المعنية فى حينه.
جيد بالطبع أن تسترد الدولة أراضيها ممن استولى عليها دون وجه حق، فهذه خطوة تستحق الإشادة، ولكن الأسئلة التى نسألها، وأظن أن أى قارئ سوف يفكر فيها تلقائيا، وتحتاج إلى إجابة حتى نعرف كيف تُبتلع الأراضى التابعة للدولة، وتُقام عليها مشروعات؟ أظن أن هذه ليست الحالة الوحيدة. هناك حالات مشابهة فى أماكن أخرى، وهى مسئولية الأجهزة المحلية التى تتبعها هذه الأراضى. ولا أظن على الإطلاق أنها غافلة أو غير واعية لما يحدث على أرض الواقع، فهى تعرف، وتوثق، وتسجل، لكنها لا تتخذ إجراءات فى حينه إما تلكؤا أو فسادا، تماما مثل العقارات المخالفة التى فرضت نفسها على كل مكان، وجرت تحت بصر وعلم الأجهزة المحلية، ولم تكن فترة الانفلات الأمنى التى أعقبت أحداث 25 يناير هى السبب، أو على الأقل لم تكن السبب الوحيد، لأن المخالفات تجرى منذ عقود جهارا نهارا سواء فى بناء أدوار غير مرخص بها، أو تحويل الوحدات السكنية إلى تجارية، أو تحويل الجراجات إلى مقاهى وصالات جيم ومخازن وخلافه، حتى أن هناك مناطق بأكملها عٌرفت عند الناس فى التسعينيات وما تلاها بأنها مرتع للمخالفات.
لا نقلل من جهد من يسعى الآن لتصحيح الأوضاع، بل نحييه ونؤازره، ولكن نتساءل كيف حدث ذلك حتى لا يتكرر، وندرك كيف كانت تٌدار الأمور، وهى مسائل تشغل الباحث والمثقف والمهتم بالشأن العام.