عمى الألوان
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 15 ديسمبر 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
يفيدنا أهل العلم أن ما يتراءى لنا من لون حين نغلق أعيننا ليس أسود. إنه لون فريد آخر، يصفونه بالظل الداكن من اللون الرمادى يلقى بعض الضوء على كيفية إدراك أعيننا للعالم من حولنا. فى العلم يسمون ذلك اللون «الرمادى الدماغى»، وهو وصف ظهر لأول مرة فى القرن التاسع عشر، واقترحه عالم اسمه غوستاف فيشنر، يقال عنه إنه رائد فى علم النفس التجريبى، لاحظ أنه حتى عندما كان الناس فى ظلام دامس، سواء فى غرفة حالكة السواد أو أعينهم مغلقة، فإنهم يستمرون فى رؤية تلميحات من اللون الرمادى.
هناك شرح يطول حول ذلك، ملىء بالمصطلحات العلمية والطبية، التى لا طاقة لنا بفهمها، فكيف لنا أن نقول ما لم نفهمه. ثمة إشارة إلى أن «العين عضو مذهل ومعقد للغاية»، لكن عندما يتعلق الأمر بنقل ما نراه خارجًا إلى الدماغ فإن هناك خلايا تواصل عملها حتى عندما نُغمض أعيننا، وتستمر فى إرسال الإشارات إلى الدماغ، ما يخلق الوهم برؤية أصغر تلميح من الضوء، ومن ثم رؤية اللون الرمادى السالف الذكر.
هذه المعلومات حملتنا إلى العودة لما نسمعه دائمًا عن عمى الألوان. سألنا «ويكيبيديا» المشورة حول ذلك، فزعمت أنه «انخفاض فى القدرة على رؤية اللون أو اختلافات اللون بشكل تصبح فيه بعض المهام البسيطة مثل اختيار الفاكهة الناضجة، أو اختيار الملابس، أو قراءة إشارات المرور، مهام صعبة. قد يجعل عمى الألوان بعض الأنشطة التعليمية أكثر صعوبة». وهنا أيضًا استطردت «ويكيبيديا» فى إيراد مصطلحات طبية وعلمية كى توصل لنا المقصود حول أسباب هذا النوع من «العمى»، وهى الأخرى مصطلحات لا يفقهها إلا أهل الاختصاص. ومما قالته إن «عمى الألوان» يؤثر على القدرة الفنية، ويُعتقد أن عددًا من الفنانين المشهورين كانوا مصابين به.
من قال إن «عمى الألوان» أو رماديتها فزيولوجية فقط؟ يبدو لنا أن عمى الألوان موجود فى الحياة أيضًا بنسب لا تقل عما هو موجود فى عيوننا المزروعة تحت جباهنا، مظللة بحواجب لا نعلم ما السر الربانى فى وجودها. يبرز عمى العيون المجتمعى أكثر ما يبرز فى الصورة التى نرى بها ما يدور فى عالم السياسة خاصة، ولعل فيما حولنا من تحولات يصحّ وصفها بالعاصفة أكبر دليل على عمى ألوان الكثيرين، فأعينهم ترى خلاف ما هو واقع، بألوان تناسب هوى الرائين، ناكرين للواقع.
يقولون، إن «عمى الألوان» مشكلة وراثية، يرثها الناس من أسلافهم، ومثلما هناك وراثة فردية توجد أيضًا وراثة جماعية تتوارثها الأمم. ترى أيكون تعسفًا لو قلنا، حكمًا مما يبدو حولنا، إننا نموذج حى للأمم العمياء؟
حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية