البعد السلبي لجملة «ده راجل طيب»
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 16 يناير 2021 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
أكيد قد سمعت بنفسك كما سمعنا كلنا عندما كنا طلبة في الجامعة جمل من نوعية "هذا الدكتور راجل طيب فسجل معاه الماجستير أو الدكتوراه" أو "حظك حلو إنك بتاخد المادة دي مع الدكتور فلان لأنه راجل طيب قوي". قد تكون سمعت تلك الجملة في أماكن أخرى لكننا سنركز على الجامعة في هذا المقال لأنه المكان الذي يلتقي فيه التعليم بالبحث العلمي. نريد أن نحلل جملة "ده راجل طيب"، ماذا تعني؟ وهل هي دائماً شيء جيد؟ وما هو تأثيرها على التعليم والبحث العلمي؟
عندما نسمع عبارة "رجل طيب" في المجال الأكاديمي ففي الغالب الأعم تعني عدة أشياء: يعطي درجات عالية دائماً، لا يعطي أبحاث أو واجبات صعبة، يتساهل في مواعيد تسليم الأبحاث ودقتها، امتحاناته سهلة ويتساهل في التصحيح، بالتالي يضمن الطلاب درجات عالية بأقل مجهود ويحملون كل الحب والتقدير لهذا الدكتور الطيب. هل كل هذا جيد؟ من ناحية التعليم والبحث العلمي فهذا شيء سيء جداً.
لننظر إلى الصورة الكبيرة، التعليم والبحث العلمي في الجامعة يتكاملان للوصول إلى هدف سامي وهو تخريج أفراد يستطيعون المساهمة في رقي بلادهم، وعمل بحث علمي يساهم في حل مشاكل البيئة المحيطة في المقام الأول والنشر في مجلات ومؤتمرات عالمية كنوع من القوة الناعمة لبلدهم بالإضافة أيضاً إلى تخريج جيل من الباحثين يكملون المسيرة العلمية. العلاقة بين التعليم والبحث العلمي علاقة متبادلة. بدون تعليم لن يتم تخريج باحثين وبالتالي لن يكون هناك بحث علمي. بدون البحث العلمي لن نجد ما يتم تدريسه خاصة في السنوات الأخيرة من مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا. لكن العلاقة ليست بهذه البساطة في الواقع. يهتم الأساتذة في أغلب الجامعات بالبحث العلمي أكثر من التدريس لأنه يساهم في ترقيتهم وأيضاً لأن الناس تنظر للباحث نظرة أكثر احتراما من المدرس للأسف. تكدس الطلاب في قاعات المحاضرات وقلة الموارد وعدم اهتمام كثير من الطلاب بالمواد الدراسية لأنهم لا يشعرون بأهميتها كل ذلك يؤدي إلى زهد الأساتذة في التدريس وهذا الزهد يظهر إما في عدم اهتمامهم بالتحضير الجيد للمحاضرات أو في التساهل مع الطلاب حتى يتفادوا "وجع الدماغ".
هناك عامل آخر يساهم في زيادة شعبية "الدكتور الطيب" وهو شعور الطلاب والعائلات أن أهم شيء هو الحصول على الشهادة بدرجات عالية وليس الحصول على تعليم جيد، مازالت مقولة أننا بلد شهادات متأصلة في العقل الجمعي. إذا حاولت إقناع الأسرة أنه من الأهم التعليم والشدة مع الطلاب حتى يصلوا إلى مستوي ممتاز حتى ولو على حساب التقدير غالباً ما سيصيحون في وجهك "هي جت على ابني، خليه بس يتخرج وبعدين يبقى يتعلم براحته". لا نستطيع أن نلوم العائلات لأنه بدون الشهادة لن يجد الخريج عملاً بسهولة، لذلك الأسهل أن نعظم من شأن "الدكتور الطيب".
هذا عن البكالوريوس، أما عن الدراسات العليا فالأمر مشابه لكن مع بعض الاختلافات.
"الدكتور الطيب" في الدراسات العليا سيخرج باحثين ضعاف لأنه سيتساهل معهم وتكون رسالة الماجستير أو الدكتوراه ضعيفة جداً، فما الذي استفادته بلده غير أن الأستاذ المشرف أضاف رقم آخر إلى عدد من خرجهم والطالب حصل على الدال نقطة؟
إذا حكاية "الدكتور الطيب" لها تأثير سيء جداً كما قلنا ولكن هذا لا يعني أننا نريد الدكتور أو الأستاذ الذي يعذب طلبته أو يطلب طلبات تعجيزية، بل الدكتور الذي يعامل طلبته كأبنائه من حيث طريقة الكلام والشرح لكنه يجب أن يكون حازماً فيما يتعلق بالمادة العلمية. النجاح في المادة تعني أن الطالب حصَّل الحد الأدنى من المعرفة أما التقدير المرتفع فيدل على عمق المعرفة والفهم مقارنة بأقرانه في نفس الفصل الدراسي. أما فيما يتعلق بالدراسات العليا فيجب أن يصل الطالب إلى الحد الذي يجعله يضيف قطعة صغيرة إلى البناء المعرفي في تخصصه الدقيق، لذلك مقولة "سأسجل الدكتوراه مع هذا الأستاذ وسأنتهي منها في أربع سنوات" خاطئة لأنك لا تستطيع منذ البداية أن تحدد متى ستصل إلى كشف علمي صغير. لاحظ أننا نقول كشف علمي صغير وليس الحصول على جائزة علمية كبيرة حتى لا تظن أن الحصول على الدكتوراه مستحيل.
قد يقول قائل "وفايدته إيه ده كله ما حيتحط في الدرج"، الرد على ذلك سهل: حتى نخرج من حفرة "يتحط في الدرج" علينا العمل على تحسين البحث العلمي.
هل مازلت تعتقد أن "الدكتور الطيب" فعلاً طيب؟