هل جميع المتحرشين من السيكوباتيين؟!


رضوى أسامة

آخر تحديث: الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 8:44 م بتوقيت القاهرة

 أظن أن الكتابة عن التحرشات اليومية مليئة بالعديد من الإشكالات، بدءا بالاختلاف حول مفهوم التحرش، وانتهاء بتوصيف شخصية المتحرش، كنت أحاضر منذ أيام عن الانتهاكات والتحرشات الجنسية، وتحدثنا بشكل مفتوح حول معنى التحرش، وهل يقتصر على الفعل الجنسى أم الكلمات البذيئة والمعاكسات؟، لم يختلف أحد حول كون التحرش يعنى كل ذلك، وتحدث الجميع عن خبراتهم اليومية فى التحرش، لكن أكثر ما لفت نظرى هو تعليق أطلقه أحد المتدربين بأن المتحرش «سيكوباتى». جعلنى هذا التعليق أعيد النظر فى مفهوم التحرش والسيكوباتية، نستخدم كثيرا فى حياتنا اليومية مصطلح «السيكوباتى» على الكثيرين، كأن تجد سيارتك فجأة قد جرحت بفعل فاعل، أو تجد شيئا مسروقا منها، أو يخبطك أحدهم فى الشارع ويجرى فى سعادة بالغة.. منذ أسبوع تقريبا تعرضت سيارتى لاعتداء سخيف من أحد هؤلاء السيكوباتيين، يبدو أننى ركنت مكانه، ولأن السيارة صغيرة جدا وخفيفة، ولأنه سيكوباتى أصيل، فقلب السيارة على جنبها فى منحدر بجوارها، ظللت أتأمل فى كمية العنف الموجهة ضد السيارة، وكون هذا الشخص سيكوباتى لا يمتلك ضميرا.. وهى النقطة التى تجعلنا نفرق فى التشخيص بين السيكوباتى وأى شخصية أخرى تشبهه، وهى انعدام الضمير.

وللأسف، هناك بعض المتحرشين يمتلكون الضمير فلا نستطيع تصنيفهم بالسيكوباتيين، أتذكر أحد الأشخاص فى العيادة وهو كثيرا ما كان يتحرش بالبنات لفظيا وجسديا، وكان يشعر بالندم الشديد بعد كل مرة يفعل فيها ذلك، هذا الشخص لديه سلوكيات قهرية وتشخيصات أخرى لسنا بصدد الحديث عنها الآن.. لكنه ليس سيكوباتيا نهائيا. متى نطلق على المتحرش تشخيص السيكوباتى؟ أظن عندما يفعل ذلك وهو غير مبالٍ بفعلته وغير نادم عليها.

هناك متحرشون يفعلون ذلك مع ما يطلق عليهن البنات المتبرجات ولا يفعلون ذلك مع غيرهن، لا نستطيع هنا أن نطلق عليهم سيكوباتيين لأن لديهم ضميرا ومنطقا فيما يخص التحرش، لا يعنى هذا أننى أوافقه بالعكس، أنا أستفز جدا من هذا المنطق.

فى حين نختلف حول كون المتحرش سيكوباتيا أم لا، نتفق فى كون المغتصب سيكوباتيا لا يمتلك أى ضمير إزاء ضحيته.
هناك نوع آخر من التحرش أود أن أتحدث عنه وهو التحرش العاطفى، ولا أعرف حقيقية من صك هذا المصطلح، لكنه يعنى أن يجرحك أحدهم ويدخل حياتك باسم الحب وتخرج من العلاقة بشكل موجع.

وهذا النوع من التحرش يتفق كثيرا مع التحرش الجنسى فى كون المتحرش شخص غير مسئول، قد يبدى بعض علامات السيكوباتية، حينما يدخل العلاقة بقصد إيذائك فقط، والتلذذ بذلك، أو يتورط معك نتيجة شعور بالحب بدون مسئولية وهنا لا نشخصه بالسيكوباتى.

والعجيب أن تأثيرات التحرش العاطفى أعمق وأضر كثيرا من التحرش الجنسى، ربما لأنك تدخل إلى العلاقة بشكل حميمى وباسم الحب.

كثيرات ممن جلست معهن فى العيادة وقعن بخبرة التحرش العاطفى، هنا فقط فى هذا النوع من التحرش تشعر بأنك تحب ذلك الشخص المتحرش، على عكس التحرش الجنسى الذى تشعر فيه بالاشمئزاز الشديد من الجانى.

أتفق مع الدراسات التى تؤكد حقيقة أن هناك شخصيات أكثر عرضة للتحرشات والانتهاكات، وهى تلك التى تفتقر إلى مهارات توكيد الحقوق، وبالتالى فإن تعليم تلك المهارات يمكن الفتيات من الدفاع عن أنفسهن، ورغم أن هذا لا يصلح إلا إذا كان المعتدى يعرف الضحية جيدا، ويفهم مهاراتها وبالتالى لن يستطيع الاقتراب منها إلا أن ذلك يفيد فى عدم استمرار التحرش لوقت.

فمثلا تضطرب كثير من البنات عندما تختبر أى نوع من التحرش الجنسى وغالبا ما تهرب، مما يدفع المتحرش إلى الاستمرار فى التحرش واثقا من قلة مهارات ضحيته، أتذكر إحدى البنات وهى تحكى لى كيف أنها صبرت على أحد الأشخاص فى الأتوبيس وهو يتحرش بها جنسيا وظلت تبكى بحرقة فى صمت وهو مستمر فى التحرش بها لأنها خائفة من الإعلان عن ذلك، هذه البنت بحاجة إلى تعلم العديد من مهارات الحياة.

وهناك نموذج آخر على المقابل تماما وهو نموذج نهى رشدى البنت التى دافعت عن حقها بقوة شديدة عندما تحرش بها أحد الأشخاص فى الشارع، وسلمته للشرطة، وحكم عليه بثلاث سنوات.

لذا فجزء من تمكين المرأة الذى يتحدث عنه الجميع هو تعليمها مهارات حياة تواجه بها من يعتدى عليها، وجزء من معالجة قضايا التحرش فهم شخصية المتحرشين وعدم إطلاق تشخيصات غير حقيقية لتبرير أفعالهم، وهو بحاجة إلى دراسات عدة لفهمه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved