معطيات جديدة وراء زيارة أوباما للمنطقة
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 16 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
يتساءل الكثيرون عن الأسباب الحقيقية التى دفعت الرئيس أوباما للإعلان عن زيارة لإسرائيل فى العشرين من الشهر المقبل، وهى الزيارة التى تفادى القيام بها طوال فترة رئاسته الأولى. هل تُنبئ هذه الزيارة عن أن الرئيس الأمريكى يحمل فى جعبته مبادرة جديدة يريد طرحها على الأطراف فى المنطقة، أم هى مجرد زيارة مجاملة يرد بها على منتقديه الذى أوسعوه هجوما بسبب إخفاقه فى زيارة أخلص حليف لأمريكا فى المنطقة طوال أربعة أعوام؟
•••
لا أتفق مع القائلين بأن الزيارة إنما تستهدف مجرد التأكيد على عمق العلاقات مع الدولة العبرية، أو وصل ما انقطع من حبال الود مع نتنياهو. والأسباب التى تدفعنى إلى هذا الاعتقاد كثيرة، أولها أن الزيارة تشمل أيضا كلا من فلسطين والأردن، وربما عدة دول أخرى بالمنطقة، ولا أتصور أن الرئيس الأمريكى سيكلف نفسه عناء زيارة هذه البلاد دون أن يتطرق إلى القضية التى تهمهم جميعا وهى قضية الشرق الأوسط. وفوق ذلك هناك معطيات مهمة وعديدة قد طرأت على الموقف برمته، سواء ما تعلق منها بما يجرى داخل المنطقة أو خارجها. تتمثل هذه المعطيات فى الآتى:
أولا: الهزيمة التى مُنى بها ائتلاف «الليكود بيتا» فى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بخسارته لما يقرب من ثلث مقاعده فى الكنيست. يعنى هذا انكسار شوكة اليمين الإسرائيلى وترويض نتنياهو ليقبل الانخراط بجدية فى عملية السلام. المرجح أن يتمكن نتنياهو من تشكيل الحكومة الجديدة فى إسرائيل، لكن هذه الحكومة ستعتمد أساسا على مشاركة حزب جديد من الوسط، وهو حزب يش أتيد (هناك مستقل)، الذى أصبح ثانى الأحزاب فى الكنيست، ويطالب زعيمه يائير لابيد بضرورة العودة إلى مائدة التفاوض، أو قد يضطر نتنياهو إلى تشكيل حكومة ائتلافية تضم أحزابا أخرى من الوسط مثل كاديما والحركة، وهذه أيضا تطالب بالتفاوض وحل الدولتين.
•••
ثانيا: التآكل المتزايد فى التعاطف الدولى مع إسرائيل بسبب مواقفها وممارستها. يُحدث ذلك قلقا كبيرا داخل الأوساط اليهودية المعتدلة داخل وخارج إسرائيل، حيث تخشى تلك من تعاظم عزلة إسرائيل الدولية. خُذ على سبيل المثال ما قاله مؤخرا أستاذ معروف فى أكاديمية العلوم فى إسرائيل من أن الأخيرة أشبه ما تكون الآن بمريض ينهش السرطان فى جسده، لكنه لا يريد الاعتراف بعلّته هذه القاتلة. ويستطرد بأن مشكلات المنطقة كلها تتعلق، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، باستمرار الاحتلال الإسرائيلى. ويعلن أن المجتمع الإسرائيلى قد أضحى فى واقع الأمر مجتمعا عنصريا، متغطرسا، وميالا لممارسة العنف. خُذ أيضا ما قاله باحث آخر فى صحيفة الجيروساليم بوست (وهى للمفارقة معروفة بميولها اليمنية)، من أنه لا سبيل لتبديد الاعتقاد السائد فى العالم الآن بأن إسرائيل هى دولة احتلال، وقوة غازية، تقمع شعبا اعزل، وتستبيح أراضيه! بل أن أوباما نفسه قد قال منذ أسابيع قليلة أن نيتانياهو إنما ينتهج سياسة التدمير الذاتى، ويدفع إسرائيل دفعا نحو العزلة التامة!
هذا ما يجرى فى إسرائيل والولايات المتحدة، ولا يختلف الأمر عما يجرى فى أوروبا، حيث تتجه بعض الدول إلى فرض مجموعة من العقوبات على إسرائيل، من بينها الحد من التسهيلات الممنوحة للإسرائيليين لدخول هذه الدول، وتقليص المساعدات المقدمة لمراكز بحثية معينة، بالإضافة إلى التوسع فى وضع العلامات التمييزية على منتجات المستوطنات الإسرائيلية بقصد مقاطعتها.
•••
ثالثا: جنبا إلى جنب مع ما تقدم، نجد أن المنظمات والوكالات الدولية، تندد بشدة بالممارسات الإسرائيلية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. فبعد قرار محكمة العدل الدولية التاريخى فى شأن الجدار العازل عام 2004، أصدر القاضى اليهودى جولدستون تقريره المجلجل فى عام 2009 فى شأن العدوان الإسرائيلى على غزة. ثم حصلت دولة فلسطين على وضع متميز فى الأمم المتحدة عام 2012 وبأغلبية ساحقة من الدول الأعضاء التى ضربت عرض الحائط بكل الاعتراضات الإسرائيلية، وأخيرا وفى 31 يناير الماضى، أصدرت اللجنة الدولية لتقصى الحقائق التى شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقريرا، لا يكتفى فقط بالتنديد بالجرائم الإسرائيلية التى ترتكبها فى الأراضى المحتلة وقيامها بتوطين أكثر من نصف مليون إسرائيلى فى المستعمرات التى تبنيها هناك، بل يؤكد إمكانية محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائمها هذه!
•••
رابعا: ما تشهده الساحة الأمريكية من انتقادات للسطوة التى يتمتع بها اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، وافتضاح أساليبه فى الترويع والترهيب. تجلى ذلك أثناء استجواب المرشح لمنصب وزير الدفاع شاك هاجيل أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، وفى الضغوط التى مارسها هذا اللوبى على أحد معاهد العلم (وهى كلية بروكلين التابعة لجامعة نيويورك) لإثنائها عن عقد ندوة بحثية حول مقاطعة إسرائيل بسبب استمرار احتلالها للأراضى الفلسطينية. هدد أعضاء المجلس المحلى بقطع المساعدات المالية المذكورة إن هى سارت قدما فى عزمها على عقد الندوة. الجديدة فى الأمر أن عمدة نيويورك، المليونير اليهودى بلومبرج، تصدى إلى هذه الحملة، ودافع عن حق الجامعة فى مناقشة أى موضوع تراه مناسبا، ومعلنا رفضه التام لربط المساعدات المالية للمعاهد بنوع أنشطتها الأكاديمية. والمهم أن الحملة قد فشلت وتم عقد الندوة فى موعدها!
•••
خامسا: وربما الأهم من ذلك كله، تلك الأصوات العاقلة، التى تتعالى داخل الولايات المتحدة، مطالبة الرئيس الأمريكى بإطلاق مبادرة جديدة ــ تأخرت كثيرا ــ لتحقيق السلام فى منطقة الشرق الأوسط. أشير هنا على وجه الخصوص إلى التقرير الذى رفعه معهد أبحاث بروكينجز المرموق إلى أوباما مع بدء ولايته الثانية، يدعوه فيه إلى صياغة مبادرة جديدة تستهدف تحقيق حق الدولتين، وفى إطار زمنى محدد، وتحثه على القيام بالاتصالات الضرورية مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، وأيضا تتضمن توصيات التقرير دعوة الولايات المتحدة (وإسرائيل) إلى التخلى عن معارضتهما الحالية لجهود المصالحة الفلسطينية. ومن حسن الحظ أيضا أن الرئيس الأمريكى سيعتمد فى إدارة سياسته الخارجية فى الفترة المقبلة على شخصية واسعة الإطلاع بقضايا الشرق الأوسط، ولها صلات قوية بالقيادات فى هذه المنطقة، وأقصد بذلك وزير الخارجية الجديد جون كيرى.
وكما تتعالى هذه الأصوات فى الولايات المتحدة، نرى حرصا أوروبيا على ضرورة إحياء عملية السلام، حيث يتردد قرب قيام زعماء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بإعداد خطاب لوزير الخارجية الأمريكية الجديد يحثونه على دفع عملية السلام، مع اقتراح مجموعة من المحددات الضرورية لبدء مباحثات السلام الجديدة، مصحوبة بمجموعة من الحوافز للأطراف من ناحية، والعقوبات من ناحية أخرى إن هى قامت بوضع العراقيل فى طريق هذه المباحثات.
•••
إذن فالظروف مهيأة، أكثر من أى وقت مضى، سواء فى أمريكا أو فى إسرائيل أو دوليا، لقيام الرئيس الأمريكى بخطوة جديدة تستهدف إحياء عملية السلام. غير أن المعادلة لا يمكن أن تكتمل إلا بوجود طرف عربى قادر على التعامل مع أى طرح جديد، وعلى حشد كل الجهود من أجل المحافظة على قوة الدفع الأمريكية المأمولة، وعلى ضمان التزام أمريكا بالأسس الذى ارتضاها المجتمع الدولى لتحقيق السلام العادل فى المنطقة.
مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية