قيس سعيد.. فشل سياسي يتبعه فشل اقتصادي

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 16 فبراير 2023 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب أسامة سليم تناول فيه أن الأزمة الاقتصادية التى تشهدها تونس الآن هى الأخطر منذ الثورة، ويُرجع الكاتب السبب فى تلك الأزمة إلى عاملين أحدهما سيطرة عدد محدود من العائلات على البنوك والمؤسسات المالية مما أثر سلبا على عملية الإنتاج والعدالة فى توزيع الثورة، والآخر هو قرارات قيس سعيد التى جعلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أكثر ظلاما ولا تبشر بالخير.. نعرض من المقال ما يلى.
تعيش تونس اليوم أسوأ فتراتها، اقتصاديا وسياسيا وحتى اجتماعيا، حيث يتشابك الفشل السياسى مع الفشل الاقتصادى ليشكلا واقعا اجتماعيا هو الأصعب منذ سنوات.
منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة، تعيش تونس الأزمة الاقتصادية نفسها، لم تكن تبعات الأزمات ودرجة تأثيرها فى الشرائح الوسطى والفقيرة، ملموسة مثل اليوم، لكن غياب المواد الأساسية والبطالة والفقر كانت ملازمة للواقع الاجتماعى فى تونس منذ السبعينيات، يعود ذلك أساسا إلى النموذج الاقتصادى المشوّه الذى تتبعه تونس، والذى يقع فى المنتصف بين الإقطاعية والرأسمالية والاشتراكية. وُلدت فى تونس طبقة من البرجوازية المتمتّعة بامتيازات احتكارية بسبب علاقتها بالسلطة السياسية منذ الاستقلال وحتى الثورة، ولاحقا تغيرت علاقات الولاء من خلال سيطرتها على السلطة عبر تمويل أكبر الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والنقابات. هكذا بات الاقتصاد مغلقا من دون أى محاولات للتجديد أو خلق فرص أو توزيع للثروة، حيث يسيطر عدد من العائلات على البنوك والمؤسسات المالية، التى ترفض منح أى قرض أو تمويل لمشروع قد يهدد نفوذ البرجوازية التونسية المالى والاقتصادى، عبر فرض شروط تعجيزية على صغار المستثمرين والشباب.
يوضح الكاتب والخبير الاقتصادى الصغير الصالحى، لـ«درج»، أن الأزمة فى تونس ستتواصل بسبب عدم استيعاب النخب الحاكمة للاقتصاد، لم يتغير الوضع الاقتصادى فى تونس منذ الاستقلال حتى هذه اللحظة. يضيف الصالحى، جميع أدبيات الأحزاب السياسية غيّبت الاقتصاد عن مدار اهتمامها، فعندما حكمت النهضة، لم تغير القوانين الاقتصادية التى كانت تدار بالمحاباة والمحسوبية وعلاقات الولاء، بل أرادت الاستفادة منها وتطويعها لصالحها، الأمر نفسه فى فترة الراحل الباجى قايد السبسى والآن خلال حكم قيس سعيد، وأول قانون ذى طابع اقتصادى كان عام 2014، بعد ثلاث سنوات من الثورة، إذ سعت النهضة من خلاله إلى أن تحلّ محلّ التجمع الدستورى الديمقراطى، الحزب الحاكم قبل الثورة، وبذلك لم تسعَ النهضة إلى التغيير، بل حافظت على الموجود، والأمر نفسه ينطبق على سعيد الذى لم يسعَ إلى التغيير بقدر سعيه إلى استيعاب الوضع الحالى.
• • •
أعلنت حكومة الشاهد منتصف عام 2017، أنها ستراجع قانون إسناد الرخص الذى يكبّل الاقتصاد، لتؤكد بعدها أنها ستعفى نحو خمسين نشاطا اقتصاديا من الرخص وتعويضها بكرّاس الشروط. ذهبت الحكومة ولم تحقق وعودها، ولاحقا أعلن الياس الفخفاخ الأمر نفسه، إلا أن حكومته سقطت ولم تتغير منظومة الرخص، الوعود نفسها أعلنها هشام المشيشى، وحاليا نجلاء بودن، رئيسة الحكومة الحالية، وفى النهاية لم تقم أى حكومة بالإصلاحات والإعفاءات المرجوّة، وبات الاقتصاد التونسى يعيش أسوأ أيامه، إذ زاد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرا. وبدأت الطبقة الوسطى فى الانهيار والتراجع، وأضحت تونس تعيش بين التضخّم، الركود، غلاء الأسعار، فقدان المواد الأساسية وارتفاع نسبة التضخم... مصطلحات شكلت عناوين بارزة فى نشرات الأخبار وفى الحديث اليومى بين المواطنين، تخفى خلفها مخاوف ومؤشرات عن تردى الوضعين الاقتصادى والاجتماعى فى تونس، بعدما باتت سياسات قيس سعيد الاقتصادية تعمّق الأزمة يوما بعد يوم.
• • •
شهدت مختلف المحافظات التونسية فى 25 يوليو، وهو تاريخ تجميد البرلمان وإعفاء الحكومة والبدء بإجراءات استثنائية، احتفالات بقرارات قيس سعيد، الذى قدّم مقايضة جديدة للتونسيين، عنوانها الأمن والرخاء الاجتماعى مقابل إحكام سيطرته على جميع السلطات. فرحّب طيف كبير من المجتمع بهذه المقايضة، بخاصة فى ظل فساد سياسى فى البرلمان السابق، وانتشار سريع لفيروس كورونا وعدم توافر اللقاحات. وفيما رحّبت دول عدة بقراراته وساندته فى المضى قدما فيها، بدأت قرارات سعيد الارتجالية تأتى بنتائج عكسية، فتحت شعار مقاومة الاحتكار خفّضت المصانع والشركات معدلات الإنتاج، ما ساهم فى غياب السكر والحليب ومشتقات القمح. وفى سعيه إلى تحسين موارد الدولة، فرض ضرائب إضافية دفعت شركات أجنبية كثيرة إلى المغادرة، وبهدف توزيع عادل للثروة أصدر سعيّد قانون الشركات الأهلية الذى لم يأتِ بأى جدوى تُذكر.
خفّض سعيّد من لهجته الحادة مع مرور الوقت، فبدأ يشيد بدور نقابة الأعراف وأصحاب المساحات التجارية الكبرى، وجمعية البنوك، الجهة الأكثر استفادة من الوضع الاقتصادى وتخلّف القوانين والتشريعات الاقتصادية، بعدما كان يصفهم بالمحتكرين والفاسدين.
• • •
ردّ سعيد ارتفاع الأسعار وغياب مواد أساسية عن السوق إلى المحتكرين «الذين نكلوا بقوت الشعب التونسى، والذى يعرف الشعب من هم» وفق قوله. وفى مسلسل مكافحة الاحتكار، داهم سعيد، برفقة قوات من الأمن، مصنعا لإنتاج الحديد، وشهّر بصاحبه، معتبرا أنه كان ينوى احتكار كميات الحديد الموجودة فى المخزن وتوزيعها خارج المسالك الرسمية، إلا أن صاحب المصنع أثبت بالوثائق قانونية الكميات الموجودة وأحقية بيعها لصالح شركة مقاولات.
تتالت زيارات سعيد إلى شركات حفظ وتبريد الخضر والغلال والمخابز والأدوية ومصنع السكر، فيما قلصت مؤسسات كثيرة من طاقة إنتاجها، خوفًا من الغضب الشعبى وتهمة الاحتكار التى باتت جاهزة لأى مؤسسة تزيد إنتاجها. وفيما أعلن سعيد أن مادتى الدقيق والشعير متوافرتان بالكمية المطلوبة فى السوق، والنقص فيهما سببه الاحتكار، صرّح وزير الشئون الاجتماعية بأن الحكومة تنتظر الموافقة على قرض من صندوق النقد الدولى لشراء القمح والشعير نظرا إلى عدم توافر العملة الصعبة. وأمام غياب الحليب ومشتقاته نتيجة عدم قدرة الدولة على مقاومة تهريب الأبقار إلى دول مجاورة بسبب غلاء الأعلاف، علاوة على ارتفاع تكلفة إنتاج الحليب ونقله وتبريده، لم يجد سعيّد من تبرير سواء اعتبار أن الأمر مؤامرة تحاك ضده وضد الشعب.
يلفت الشابى لـ«درج»، إلى أن سعيد لا يعرف الفرق بين احتكار السلع واحتكار الأسواق، ويقترح حلولا سهلة وبسيطة لمشكلات كبيرة ومتشعبة، كونه لا يملك أى دراية أو معرفة بالاقتصاد التونسى، متجاهلا الخلل الحاصل فى القطاعات كافة، الاقتصادية والمالية والاجتماعية... كما أنه لا يرى سبيلا إلى النمو والازدهار الاقتصادى سوى بتطبيق القانون على الأموال المنهوبة.
خابت آمال كل من ساند الرئيس وقراراته بغد أفضل، وبدت الشعارات التى رفعها سعيّد مجرّد حشو لغوى. إذ سيدفع التونسيون ثمن التقشّف الذى فرضه صندوق النقد الدولى لمنح تونس القرض المطلوب، والذى يعنى بدوره رفع الدعم وارتفاع أسعار المواد الأساسية، ناهيك بتخلى الدولة عن دورها فى مجالات التعليم والصحة والنقل والرعاية الاجتماعية. وككل مرة، سيرمى سعيد فشله على أطراف غامضة، لم ولن يسميها. ويبدو أن الظلم الحاصل ورقعة الفقر سيتوسعان جغرافيا فى تونس، فيما تغيب أصوات أحزاب المعارضة، فلا احتجاجات ضد سياسات سعيّد الاقتصادية، ولا تظاهرات ولا شىء من هذا القبيل.
• • •
تعيش تونس حاليا، أزمةً اقتصاديةً حادة هى الأخطر منذ الثورة، وقد لا يكون سعيد السبب الرئيس فيها، لكنه العنوان الأبرز فى النتائج الاقتصادية الكارثية التى وصلت إليها البلاد. ويبدو أن قيس سعيّد، وقبله الباجى قايد السبسى، ومن قبلهما حركة النهضة، ليسوا سوى واجهة سياسية تحمى مصالح البرجوازية التونسية التى تعد السبب الرئيس فى الأزمة الاقتصادية. فيما فشلت مختلف الحكومات التى أفرزتها أحزاب سياسية مختلفة، فى ظل توافق ديمقراطى مغشوش وفاسد على القيام بثورة للحد من البطالة والقضاء على الفقر. وباتت تونس تسير تدريجيا نحو الهاوية.
تظهر نتائج الانتخابات فى دورتها الأولى والثانية نفور الشعب التونسى من الحلول الجماعية، وباتت الحلول الفردية طاغية على التفكير الجمعى، خصوصا فى ظل أداء كارثى لحكومة نجلاء بودن. ليصبح حلم العائلات التونسية الوحيد الهجرة إلى الخارج، حتى ولو كانت هجرة غير نظامية محفوفة بأخطار كبيرة، وسط انقسام سياسى حاد وانتشار خطابات الكراهية والتخوين والتشهير، واحتكار السلطات وإنكار الأزمات من جانب السلطة.
النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved