الواحة المنسية
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 16 فبراير 2023 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
سيوة تلك البقعة الجميلة الواقعة فى الجنوب الغربى من مدينة مرسى مطروح (300 كم)، والجنوب الشرقى من السلوم. وهى على بعد نحو 60 كم من الحدود مع ليبيا، ومنخفضة عن سطح البحر نحو 17.5 متر. تلك المدينة التى كان حظ كاتب هذه السطور أن يزورها الأسبوع الماضى، هى واحة ضمن نحو 10 واحات، كلها تقريبا فى الصحراء الغربية. هذه الواحة لها سمات ربما لا يعلمها البعض.
فسكان سيوه عددهم نحو 40 ألف مواطن، موزعون على ربوع الواحة، وهم ينتمون لنحو 10 قبائل، يتزوجون فيما بينهم فقط، وهم أناس على الفطرة، يتسمون بالطيبة، كأهل أسوان والنوبة.
وعلى عكس ما يعلمه البعض من أن سكان مصر يتحدث أكثر من 95% منهم العربية، والباقى يتحدثون النوبية، وهناك القبطية القاصرة تقريبا على الصلاة فى الكنائس. فهناك اللغة الإمازيجية التى يتحدث بها غالبية سكان الواحة، وهى لغة التعامل البينى بين السكان الأصليين، رغم إجادتهم العربية، وهؤلاء كالنوبيين، ليسوا عربًا، وكلهم من المسلمين، وهم امتداد لحزام البربر الموجود جزء محدود منهم فى ليبيا والكثير منهم فى الجزائر والمغرب، وهم متداخلون مع العرب، وبينهم علاقات ود كبيرة، ويعتزون بمصريتهم، ولا توجد أية مشكلة ثقافية بينهم وبين العرب كتلك القائمة فى بعض الدول الأخرى.
النشاط الرئيسى لسكان الواحة هو الزراعة، بعدها تأتى أنشطة أخرى كالرعى والسياحة والتجارة. أشهر ما تمتلكه سيوة الثروة الضخمة من أشجار النخيل ثم الزيتون. والواقف فوق قمة جبل الموتى أو قلعة شالى بالواحة، يشاهد على مرمى البصر مساحة كبيرة منها. ولعل السبب الرئيس الكامن وراء كل ذلك هو المياه شديدة الوفرة، إذ إن بالواحة نحو 220 عينا طبيعية، لا علاقة مباشرة لها بمياه النيل.
إلى جانب الثروة الزراعية، هناك آلاف الجمال والخراف، والتى لا تحتاج مشقة فى تربيتها بسبب وفرة المياه والكلأ.
كما أن هناك إنتاج الملح بغزارة، وكذلك إنتاج المياه المعبئة ذات الشهرة، وكلها صناعات متميزة فى الواحة، إلى جانب صناعة السياحة، حيث الآثار المصرية القديمة عهد الأسرتين 25 و26، ثم العهدين البطلمى والرومانى، فأثار المماليك.
السؤال الآن كيف يتم تطوير تلك الجنة الجميلة؟
من المؤكد أن التخصص فى أى مجال هو من السمات المميزة له، لذلك فإن تكثيف الاهتمام بالنخيل والزيتون كمًا وكيفًا من العناصر الأكثر أهمية. فمصر اليوم أصبحت من أكبر بلدان العالم إنتاجًا للتمور، وهو ما جعلها على أعتاب خُمس الإنتاج العالمى منه. لذلك، فالاهتمام بهذه الثمرة إلى جانب الزيتون، يجعل من مصر بلدا متميزا عالميا لعقود طويلة، ما يدعم الإنتاج للتصدير، فى تلك الأوقات العصيبة التى تمر بها الصادرات المصرية. فالإنتاج السنوى هو 84 ألف طن، والتصدير لا يزيد عن 250 طنا سنويًا، لضخامة الاستهلاك المحلى، وهو ما جلب عائدا من صادرات التمر المصرى عام 2021 بنحو 52 مليون دولار فقط. وإذا عرفنا أن الواحة بها 200 ألف فدان صالحة للزراعة، وأن هناك 20 ألف فدان منزرعة فقط، لتبين أن هناك قدرة على التوسع الزراعى فى النخيل والزيتون.
هناك عديد المعوقات التى تقف أمام التنمية الزراعية بالواحة، أهمها إهمال الصرف الزراعى، وهو أمر يؤدى ليس فقط إلى تهديد الثروة السكنية والزراعية، بل وأيضا المعالم السياحية، وقد شاهدنا مياه الصرف الزراعى كالبحيرات الشاسعة حول الواحة، ما يحتاج إلى شبكة مواسير صرف (زواريق) على أعماق بسيطة، ومنع الصرف السطحى القائم، وكلها وسائل لإنقاذ التربية من التسبغ والملوحة، وغلق الآبار العشوائية، واستخدام طرق الرى الحديثة لمنع تطبيل الأرض، ووضع أسوار حول الكثبان الرملية الكثيفة المحيطة بالواحة لمنع زحف الرمال، أو زراعتها بالأشجار الخشبية لتثبيت التربة. وقد شرعت الدولة فى حل مشكلة الصرف الزراعى عبر تنفيذ القناة المفتوحة لنقل المياه خارج البحيرة إلى منطقة عين الجنبى شمال شرق الواحة.
لكن من الممكن ونحن فى أزمة غذاء كبيرة، وواردات قمح هى الأكبر عالميًا، وفى ظل وفرة المياه وعدم حاجة النخيل والزيتون لهذا الكم الكبير من احتياطى المياه، فإنه من الممكن التوسع فى إنتاج القمح والصويا، ما يسهم فى حل أزمة غذاء الإنسان، وإنتاج أعلاف الحيوان، وهو نفس ما يمكن أن يقال عن مجمل أرض الساحل الشمالى، والتى تتعرض لأمطار شتوية غزيرة فى الشتاء، ما يكفى لزراعة مساحات كبيرة من القمح.