نبيل العربى.. وزيرًا للخارجية
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
الأربعاء 16 مارس 2011 - 9:44 ص
بتوقيت القاهرة
فى قرار صائب وموفق إلى أقصى درجات التوفيق بدأت مصر الثورة فى البحث عن أسماء أبنائها الذين يتمتعون بالكفاءة النادرة والإخلاص الكامل والولاء للوطن وللأمة بعد أن انسحبوا فى جلال وسكون رافضين المشاركة فى موكب الفساد والنفاق السياسى والأخلاقى، حتى تستعين بهم فى إصلاح التخريب الوحشى والتجريف المتمادى لثروة الوطن وكرامة المواطن. والأسماء عديدة والكفاءات وفيرة نذكر منها عصام شرف ونبيل العربى وسمير رضوان، ونتمنى فى يوم قريب أن يخدم أمثالهم مصر فى كل مواقع المسئولية، حتى يسهموا فى إقالة البلاد من عثرتها ويستعيدون مكانتها وهويتها.
ولكنى أخص فى حديثى هذا السفير نبيل العربى الذى شرف به موقع وزير الخارجية، وقبل أن أستطرد فى الحديث أشعر بأنه من المهم أن نقدر الظروف والضغوط التى واجهت وزير الخارجية السابق، الذى تعرض لهجوم شديد لم يكن كله مبررا لأن مسئوليته هنا نسبية لما تضمنه انتقاده من تجاهل سلب اختصاصات وزارة الخارجية وضرورة تنفيذ الوزارة لتعليمات رئاسية خاطئة.
ونقتطف مما جاء فى السيرة الذاتية الغنية والمتنوعة للدكتور نبيل العربى، أنه تمتع بعضوية لجنة القانون الدولى للأمم المتحدة منذ عام 1994، وقاض فى محكمة منظمة الأوابك 1990، وعضو فى لجنة الأمم المتحدة للتعويضات بجنيف اعتبارا من 1999، وعضو فى لجنة إدارة معهد استكهولم لأبحاث السلام، ومدير للإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية من 1976 إلى 1978 ومن 1983 إلى 1987، ومندوب عن حكومة مصر أمام محكمة تحكيم طابا ومستشارا لوفد مصر فى مباحثات كامب ديفيد. وأنه شغل المناصب التالية فى وزارة الخارجية المصرية: مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، ممثل مصر الدائم لدى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى جنيف، وفى الأمم المتحدة شغل منصب رئيس مجلس الأمن فى شهر يونيو سنة 1996، ونائب لرئيس الجمعية العامة سنوات 1993 و1994 و1997، ورئيسا للجنة الأولى المختصة بنزع السلاح، ورئيس للجنة الخاصة لدعم مبدأ منع استخدام القوة فى العلاقات الدولية. وكان توليه القضاء فى محكمة العدل الدولية شرفا لمصر، وفى المحكمة لم يحد عن إيمانه بالعدالة فى قضية الجدار العادل الشهيرة وصمد بتأييد من كل قضاة المحكمة أمام حملة أمريكا وإسرائيل للتشكيك فى حيدته.
وهكذا انضم السفير نبيل العربى إلى جيل العمالقة من رواد القانون الدولى المصريين، إلى جانب عبدالحميد بدوى، وعبدالله العريان، وبطرس غالى، ومحسن شفيق، ووحيد رأفت، وحامد سلطان، وحافظ غانم، وواصل بين جيلهم وبين جيله من فقهاء القانون الدولى فى مصر.
وينظر كاتب هذه السطور نظرة خاصة إلى هذا الأمر ملؤها خليط من مشاعر السعادة والفخر بتولى هذه الشخصية الفذة منصب وزير الخارجية، أقول هذا بحكم معرفتى وانتمائى لمدرسة الدبلوماسية القانونية وبحكم العمل عن كثب مع نبيل العربى والعديد من فقهاء القانون الدولى ومنهم جيلبيرت جيوم الذى أصبح رئيسا لمحكمة العدل الدولية وشيرجو أودا القاضى اليابانى بالمحكمة، كما تتلمذت على حافظ غانم وحامد سلطان الذى تفضل فقبل الإشراف على رسالتى للدكتوراه، صاحبت محسن شفيق فى العديد من مؤتمرات «الأنسترال» التى تعالج المسائل الخاصة بالقانون التجارى الدولى وقد كان لى الحظ أن أزامله فى الاجتماعات التى توصلت إلى قواعد «الأنسترال» للتحكيم الدولى. كما أتيح لى أثناء تولى مسئولية الإدارة القانونية والمعاهدات أن أتعرف وأعمل مع جيلنا من فقهاء القانون الدولى أذكر منهم بكل اعتزاز زكى هاشم، وعائشة راتب، وجورج أبى صعب، ومفيد شهاب، وصلاح عامر، وطلعت الغنيمى، وإبراهيم العنانى وأحمد القشيرى، وتواصلت مع جيل الشباب وأذكر منهم نبيل حلمى وغيرهم وأبين هنا أننى عندما تناولت عن هذه الخلفية، لم أقصد الحديث عن شخصى الضعيف كإنسان فى مرحلة الانصراف بلا مطامع أو تطلعات، ولكن لكى أثبت شهادة حق عن نبيل العربى الذى كان فضله على كبيرا وتعلمت منه الكثير، فقد عملت نائبا له عندما كان مديرا للإدارة القانونية والمعاهدات وشهدت فى هذه الفترة شخصية العالم المتواضع والمدير الإنسان بل والقاضى العادل النزيه. كان كريما معطاء يجيد الاستماع إلى الصغير قبل الكبير، ويحرص على دوره كمعلم، ويعطى القدوة عن نزاهة الدبلوماسى القانونى وتعامله مع توجهات دوائر صنع القرار فى إطار موضوعى ودون انصياع لرغباتها، وكان موقفه فى كامب ديفيد علامة فارقة فى العمل الدبلوماسى المصرى. وأذكر له مواقفه الوطنية الصلبة وعدم خضوعه للضغوط الإسرائيلية والأمريكية التى كان يمارسها إبراهام صفير أثناء مباحثات تنفيذ الحكم التى رأسها فى طابا ثم تتبعت رؤاه عندما توليت جزءا من المسئولية عن تحكيم طابا وكنت أرافقه نائبا له، كما أذكر أنه رفض تلبية دعوة الوفد الإسرائيلى لأعضاء الوفد المصرى لزيارة إيلات، وانفردنا بهذا الموقف حتى عندما اقتضى الأمر ذهاب كل أعضاء الوفد الرسمى المصرى إلى إيلات للإقلاع الليلى لطائرة مصر للطيران من إيلات، وعدنا معا على طائرة صغير خاصة للقاهرة، كما أذكر بمقاله المهم بالأهرام فى 24 سبتمبر 2006 حول تصحيح مسار السلام مع إسرائيل وحديثه فى قناة الجزيرة فى 23 يونيو 2007.
كان نبيل العربى دائما قريبا من دوائر صنع القرار ليس بسعى منه ولكن لحاجتها إليه، ولكنه تحاشى أن يكون جزءا منها حفاظا على مصداقيته، ولم نعرف عنه أبدا أنه شارك فى أنشطة هذه الدوائر التى كانت تصدر فى بعض الأحيان عن انحياز أو مجاملة، بل كانت له مواقف غير مواتية لمثل تلك التوجهات.
ومن ركائز تفاؤلنا بإنجازات باهرة غير عاجلة أن الرجل حافظ دائما على هدوئه الجم أثناء شغله لأهم المناصب فى مصر وفى المحافل الدولية، وعزف عن أضواء الصحافة والإعلام وقاوم إغراءها فيما يشابه سلوك القضاة، وهو إنسان عطوف مجامل معطاء يفعل الخير وينصر الحق بتلقائية نبيلة دونما طلب أو رجاء. وعندما أنهى عطاءه للمنصب الحكومى لم يتطلع أو يسعى إلى ما هو جدير به من أسمى مناصب الدولة وليس بعيدا عنها منصب رئيس الجمهورية، بل فضل العمل القانونى الخاص فى صمت بعيدا عن أروقة العمل الرسمى.
هنيئا لوزارة الخارجية بنبيل العربى، وتمنياتنا له جميعا بعطاء سخى ورأى ثرى فى الفن الدبلوماسى والعمل الوطنى والعربى بل والدولى كما فعل فى أرفع مناصب القضاء الدولى.