الحصاد المرير
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 16 مارس 2014 - 6:40 ص
بتوقيت القاهرة
فى ٣ يوليو ٢٠١٣، تحالفت الأحزاب والقوى السياسية التى تصف نفسها بالمدنية والليبرالية مع المؤسسة العسكرية وأيدت تدخلها فى السياسة وساندت الخروج على الديمقراطية. قبلت هذه الأحزاب والقوى السياسية المشاركة فى ترتيبات السلطة التى كان المكون العسكرى ــ الأمنى قد أحكم السيطرة عليها، واختارت الصمت عن الإجراءات الاستثنائية وانتهاكات الحقوق والحريات التى تصاعدت على نحو كارثى بعد فض اعتصامات جماعة الإخوان وحلفائها.
صيغت وثيقة دستورية تعطى المؤسسة العسكرية وضعية الدولة فوق الدولة وتجيز محاكمة المدنيين عسكريا، أقر قانون يجرم التظاهر ويهجر المواطن من المساحة العامة إن كان يعتزم التعبير الحر عن الرأى، عادت ممارسات الدولة الأمنية ووظفت الأداة القمعية والإجراءات الاستثنائية لإعادة إنتاج ثقافة الخوف وتهديد معارضى السلطة باستمرار بإمكانية انتهاك حقوقهم وحرياتهم، التحقت جموع الكتاب والسياسيين والإعلاميين بالسلطة تأييدا لمكونها العسكرى ــ الأمنى وترويجا لخطابه بشأن «الحرب على الإرهاب» وتخوينا لكل مغرد خارج السرب يرفض مواجهة الإرهاب دون التزام بالقانون ويحذر من العنف الرسمى وانتهاكات حقوق الإنسان.
حدث كل هذا، والأحزاب والقوى السياسية التى تصف نفسها بالديمقراطية والمدنية والليبرالية تستميت فى الإبقاء على تحالفها مع المكون العسكرى ــ الأمنى وفى الدفاع عن النصوص الدستورية والقانونية القمعية وفى تجاهل انتهاكات الحقوق والحريات. حدث كل هذا، والأحزاب والقوى السياسية هذه تستسلم لثنائية «من ليس معنا فهو ضدنا» الفاشية، وتتورط فى الزج بمصر مجددا إلى خانات الصوت الواحد والرأى الواحد والبطل الواحد الكارثية.
توالت الإجراءات الاستثنائية والممارسات القمعية التى طالت بعد الإخوان وحلفاءهم معارضين آخرين للسلطة يدافعون بإخلاص عن الديمقراطية ويرفضون هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى، تواصل القصف الإعلامى الممنهج ضد ثورة يناير ٢٠١١ وضد مبادئ حقوق الإنسان والحريات، لم يتوقف الزج بالشباب إلى السجون إن بعد وقفة ضد قانون التظاهر أو للمشاركة فى احتجاجات طلابية أو فى مسيرات ٢٥ يناير ٢٠١٤، تصاعدت «مجهودات التهليل الجماعى» للترشح المحتمل / المنتظر لوزير الدفاع لرئاسة الجمهورية وبدت ملامح خطيرة لانتفاء الحدود الفاصلة بين ترشحه المحتمل وبين الحيادية الواجبة لكافة مؤسسات الدولة على نحو يهدد تنافسية ونزاهة الانتخابات، تكالب أصحاب المال والأعمال على تأييد الترشح وأنتجت «نخب» الفكر والسياسة والإعلام مقولات «كلنا مع البطل» المعتادة، مرر قانون الانتخابات الرئاسية يحصن لجنتها العليا وقد تقر تفاصيل إجرائية أخرى تعصف بضمانات التنافسية والنزاهة.
حدث كل هذا، والأحزاب والقوى السياسية التى تصف نفسها بالديمقراطية والمدنية والليبرالية مازالت تدافع عن ترتيبات ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣ وتشارك فى لقاءات سياسية ورسمية زعما أن هدفها هو «البناء الديمقراطى» و«المشاركة الفعالة». حدث كل هذا، والأحزاب والقوى السياسية هذه تحاول على استحياء الابتعاد عن هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى تارة بحديث ناقد لبعض الممارسات القمعية، وتارة بمؤتمر للمطالبة «بالحرية للمعتقلين»، وتارة بتسجيل رفض بعض مواد قانون الانتخابات الرئاسية والإشارة إلى خطر ابتعاد مؤسسات وأجهزة الدولة عن حياديتها الواجبة فى الانتخابات.
حدث كل هذا، والأحزاب والقوى السياسية هذه تصطدم يوميا بالحصاد المرير لتأييدها الخروج على الديمقراطية ولصمتها عن انتهاكات الحقوق والحريات وتخاذلها عن التضامن مع الضحايا (كل الضحايا) منذ اللحظة الأولى، تصطدم بضياع مصداقيتها التى لن تعيدها لا الخطب الحماسية عن المعتقلين ولا بيانات شجب وإدانة الممارسات القمعية المتتالية.