حرب ستيف بانون الحتمية فى الشرق الأوسط
عبد العظيم حماد
آخر تحديث:
الخميس 16 مارس 2017 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
طوال شهر فبراير الماضى، ظلت كبريات الصحف الأمريكية تتحدث بلا انقطاع عن الحرب التى تخطط لها إدارة الرئيس دونالد ترامب، بقيادة كبير مخططى الرئيس الاستراتيجيين ستيف بانون، هكذا كتب المؤرخ الشهير نيل هاو فى صحيفة واشنطن بوست يوم 24 فبراير.
استشهد هاو ــ الذى سنعرف حالا علاقته الفكرية بهذه الحرب المنتظرة ــ بعنوان صحيفة بيزينس إنسايدر القائل «الوسواس القهرى لدى ستيف بانون بظلامية التاريخ يدعو إلى أشد القلق»، وبعنوان ثانٍ فى موقع هافينجتون بوست يقول: ستيف بانون يؤمن بأن الرؤيا المشئومة قد ثبتت وأن الحرب حتمية»، ثم استشهد هاو بعنوان ثالث فى صحيفة ذى نيشن يقرر أن «ستيف بانون يريد الحرب العالمية الثالثة.
كان بانون قد تحدث أكثر من مرة عن أن الحرب آتية لا ريب فيها، وفى أثناء قيادته لحملة ترامب الانتخابية قال فى يوم 24 فبراير من العام الماضى، إن الحرب حتمية، فى بحر الصين، وفى الخليج الفارسى (أو العربى)، وذلك لكبح التوسع الصينى ذى النزعة العسكرية، والتوسع الاسلامى ذى النزعة الراديكالية، بوصفهما الخطرين المحدقين بالولايات المتحدة.
المعروف عن بانون أنه أحد أبرز مفكرى اليمين الشعبوى الأمريكى ذى النزعة العنصرية.
أما نيل هاو الذى انزعج من هذه العناوين، ومن طريقة تفكير بانون نفسه، فهو المؤلف المشارك لكتاب قالت تلك الصحف وغيرها إن كبير المخططين الاستراتيجيين فى البيت الابيض استمد منه عقيدته فى حتمية الحرب، الكتاب يحمل عنوان «التحول الرابع: نبوءة أمريكية»، وقد صدر عام 1997، وشارك فى تأليفه المؤرخ الراحل ويليام شتراوس.
حاول هاو أن ينأى بنفسه عن شعبوية وظلامية بانون، فأوضح أن نبوءة الحرب جاءت فى إطار «نموذج تفسيرى» جديد لأدوار التحول الكبرى فى التاريخ الأمريكى، ويرصد هاو وشريكه الراحل ثلاثة أدوار كبرى مر بها تاريخ الولايات المتحدة، هى الاستقلال، والحرب الأهلية، والكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، ثم يتنبأ أن التحول الرابع سيبدأ عام 2008، وهو ما حدث فعلا مع بداية الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وينتظر أن يستمر حتى عام 2028، لأن نموذجه التفسيرى يوضح أن كل دور من أدوار التحولات الأمريكية الكبرى يستغرق عشرين عاما حتى يكتمل، ويقرر أن هذه التحولات تقع فى التاريخ الأمريكى بفاصل زمنى مقداره تسعون عاما بين كل تحول والذى يليه، ثم يضيف ــ وهذا هو ما يهمنا فى هذه السطور ــ أن كل تحول من تلك التحولات الكبرى تضمن حربا كبيرة، إلى جانب ما تضمنه من تغييرات اقتصادية واجتماعية وثقافية.
حدد هاو أربع جبهات محتملة للحرب الجديدة، هى بحر الصين / وشبه الجزيرة الكورية، والخليج الفارسى (أو العربى)، وبحر البلطيق، ومع ذلك فقد حرص على أن يؤكد أنه لا يرى الحرب حتمية، وإنما هى مجرد «إمكانية محتملة».
من الواضح طبقا لهذا العرض أن ستيف بانون كبير المخططين الاستراتيجيين لادارة الرئيس ترامب، والذى يوصف بأنه الرجل الثانى فى هذه الإدارة، وثانى أقوى رجل فى العالم، قد استبعد جبهة البلطيق، والجبهة الكورية، وركز على بحر الصين، وعلى الخليج الفارسى (أو العربى)، أى على الشرق الأوسط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ناحيتنا فإننا نستبعد أيضا جبهة بحر الصين كميدان للحرب التى يطمح إليها ستيف بانون ورئيسه، ويرونها حتمية، ردعا لما يسميه بانون بالنزعة التوسعية العسكرية الصينية، والتى تتمثل فى بناء حاملات طائرات، وانشاء جزر صناعية فى بحر الصين تقام عليها قواعد لصواريخ طويلة المدى تهدد الداخل الأمريكى، مع ادعاء السيادة المنفردة على ذلك البحر.
وأسبابنا فى استبعاد حرب أمريكية صينية، هى أن مثل هذه الحرب ستكون شبه عالمية، إن لم تتطور إلى حرب عالمية كاملة، كما أن الصين هى الأخرى دولة نووية، وهذا فى حد ذاته رادع عسكرى وأخلاقى، وفى ذات الوقت فإن الحجم الضخم للاقتصاد الصينى، ووزنه النسبى الكبير فى الاقتصاد العالمى، يعنى من بين ما يعنيه وجود مصالح تجارية واستثمارية ضخمة أيضا لكبريات الشركات الأمريكية والأوروبية فى هذا الاقتصاد، فإذا نشبت حرب بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين، فالنتيجة الحتمية هى انهيار اقتصادى عالمى، لن تنجو منه أمريكا نفسها.
ومن المؤكد أن القوى الاقليمية فى جنوب وشرق آسيا ستعارض مثل هذه المغامرة، وهذه قوى لها وزن مؤثر فى السياسة الدولية، كاليابان، وإندونيسيا، والهند المسلحة نوويا، لذا فالأقرب إلى التوقع هو التوصل فى نهاية المطاف إلى صفقة صينية أمريكية للحد من التسلح على غرار ما حدث إيان الحرب الباردة، مع تفاهمات تحد من العجز التجارى الأمريكى أمام الصين.
إذن تتبقى جبهة الخليج (فارسى أو عربى) لتكون هى الأكثر احتمالا كميدان للحرب الأمريكية الحتمية فى رؤية كبير المخططين الاستراتيجيين للبيت الأبيض، أو الحرب المحتملة ضمن التحول الرابع فى نموذج نيل هاو وويليام شتراوس التفسيرى للتاريخ الأمريكى.
أما الأسباب التى ترجح اختيار الخليج (والشرق الأوسط) ميدانا لهذه الحرب، ففى مقدمتها أن العدو هنا ليس قوة كبرى ذاتية التسلح الذى يكفى لحرب شاملة طويلة، سواء كان العدو هو إيران كمصدر «لتوسع الاسلام الشيعى الراديكالى» أو كان تنظيمات الاسلام السنى الإرهابية بقيادة داعش، ثم إن هاتين القوتين لا تملكان أسلحة دمار شامل.
ويأتى بعد ذلك أن البيئة الاقليمية هنا ملائمة تماما، فمعظم الشركاء الاقليميين للولايات المتحدة تواقون إلى ضرب إيران وداعش، بل ومحرضون على ذلك، فهذا هو موقف دول الخليج قاطبة، باستثناء سلطنة عمان، وهذا هو ما تضغط إسرائيل من أجله، ولا يبدو أن مصر أعلنت أو اتخذت موقفا نهائيا، ولكنها مرشحة دائما حسب المصادر الأمريكية للمشاركة فى حلف سنى ضد إيران، تشارك فيه إسرائيل، وفى الوقت نفسه فإن لمصر مصلحة مؤكدة فى هزيمة داعش، وغيرها من المنظمات الإرهابية.
وهناك عامل ثالث يرجح تفضيل واشنطن لجبهة الخليج والشرق الأوسط كميدان للحرب المنتظرة، وهو السوابق التاريخية، فمع استثناء غزو جرينادا فى عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان، وغزو بنما فى عهد الرئيس بوش الأب، والتدخل فى يوغسلافيا السابقة لحساب حلف الاطلنطى، فإن جميع الحروب التى خاضتها الولايات المتحدة بعد فيتنام كانت فى الشرق الأوسط، فقد جرب ريجان التدخل فى لبنان، وقاد بوش الأب حرب الخليج الأولى ضد العراق، وخاض بيل كلينتون حربين محدودتين على الجبهة العراقية، ثم جاء بوش الابن وغزا العراق بالكامل، ومن قبله أفغانستان، وبين ذلك وقعت ضربات وتدخلات أمريكية فى ليبيا والسودان والصومال.
وبالطبع فإن مما يساعد على «حتمية» الحرب فى الشرق الأوسط ضد التنظيمات الارهابية المنسوبة إلى الاسلام السنى، أن هذه التنظيمات لا يمكن التفاهم والاتفاق معها، على حلول وسط بما أنها ليست دولا.
فى مواجهة هذه العوامل المرجحة للحرب الأمريكية فى الخليج.. ألا توجد كوابح من أى نوع؟
ربما يتعين على المخططين الأمريكيين أخذ التحالف الروس الإيرانى فى الحسبان، ولكن ترضية روسيا بمنطقة نفوذ فى سوريا، ثم فى ليبيا حديثا تكفى وزيادة لعدم المعارضة النشطة لهجوم أمريكى على إيران، مثلما اشترت واشنطن فى السابق صمت موسكو على ضرب العراق، وفى الوقت نفسه يجب أن نتذكر أن روسيا هى قوة رئيسية فى الحرب ضد داعش فى سوريا جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، وأن لروسيا هى الأخرى مصلحة أساسية فى محاربة التطرف الاسلامى الذى يهددها فى الشيشان وغيرها.
يتبقى السؤال: ما الذى سيجنيه العرب من هذه الحرب؟ وما هى المسئولية الاخلاقية والسياسية الواجبة على إيران فى هذه اللحظة؟
فى تقديرى أن العرب سيكونون أكثر الأطراف خسارة، حتى مع هزيمة إيران فما بقى من قوة مالية لدى دول الخليج سوف يتناثر، وربما كان هذا مطلوبا من دوائر أمريكية بعينها، وربما تتفجر الجبهات الداخلية لهذه الدول التى لا يستهان بالمكون الشيعى بين مواطنيها، كذلك من حسن التقدير تذكر خطط المحافظين الجدد فى إدارة بوش الابن لتقسيم السعودية نفسها.
ومن حسن التقدير أيضا عدم استبعاد وتنفيذ الخطط الإسرائيلية الجاهزة دوما لاستغلال حرب كبيرة فى المنطقة لترحيل فلسطينى الضفة، وإعادة رسم خريطة المشرق العربى كله بما يجعلها القوى الاقليمية العظمى.
وأما عن المسئولية الاخلاقية والسياسية الواجبة على ايران، فنحن ندعوها إلى التوقف على الفور عن التدخل فى الشئون الداخلية لدول الخليج والجزيرة العربية، وإعلان مبادرة شاملة للسلام والأمن فى المنطقة، والتعاون البناء لايجاد صيغة عادلة للحكم فى العراق، وللتوصل إلى تسوية فى سوريا، فتلك المبادرة هى وحدها ما ينزع فتيل الموقف المتفجر فى الخليج كمبرر لحرب ستيفن بانون «الحتمية»، وبذلك تسهل مواجهة التنظيمات الإرهابية، بمزيج من الضربات العسكرية، والإصلاحات السياسية، والتنمية الاقتصادية.