«الهوية والترجمة» فى فضاء كلية الألسن
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
السبت 16 مارس 2019 - 4:40 ص
بتوقيت القاهرة
أستهل هذا المقال بدعوةٍ وأمنية!
أما الدعوة، فمن خلال منبر كلية الألسن العريقة التى غرس بذرتها إمام الفكر؛ الرائد الأول والمترجم الأول فى عصرنا الحديث، رفاعة الطهطاوى؛ أدعو إلى كتابة تاريخ مفصل ودقيق وشامل لـ«الترجمة والمترجمين المصريين منذ بداية العصر الحديث وحتى الآن». وليس هناك من داعٍ للاستفاضة فى بيان القصور الفادح والفراغ الرهيب الذى نعانيه، من غياب قاعدة بيانات كاملة ودقيقة ومستوفية للمترجمين المصريين (ولن أقول العرب حتى لا يتسع الرتق على الراتق أكثر مما يعانيه!) فضلا على توفر تاريخ تفصيلى لحركة الترجمة عن اللغات جميع إلى العربية، ومعاجم مستقصية لأعلام الترجمة والمترجمين عبر ما يقرب من قرنين من الزمان!
ولن أيأس من الدعوة دائما للاحتفاء بكل ما قدمه المترجمون المصريون العظام (المشهورون منهم وهم قلة، والمجهولون وهم كثرة!) هناك أسماء مشرفة فى تاريخ الترجمة المصرية والعربية الحديثة قدمت وحدها وبمفردها ترجمات توازى ما يمكن أن تقدمه مؤسسات ضخمة بأكملها؛ وأتذكر جهود هؤلاء المخلصين الذين أفنوا أعمارهم فى الترجمة وأنظر بإكبار وإجلال إلى دأبهم ومثابرتهم وما قدموه من أعمال وإنجازات وترجمات لا تُنسى قلما يتحقق الآن منها فى زمن تتقافز فيه المعرفة قفزا أمام البشر لكن دون إدراك لقيمتها وأثرها!
إننى أترحم على هؤلاء الذين كانوا ذوى ثقافة هائلة، وعين نافذة، وإدراك واعٍ لحساسية اللحظة التاريخية والحضارية التى ينتمون إليها، ومن ثم جاءت اختياراتهم فى الترجمة ملبية للحاجات ومقلصة لفجوات الغياب عن أهل الشمال مركزين غاية جهدهم على العناوين المهمة ذات الاعتبار والاقتدار والقيمة.. هذه السلسلة الذهبية الرفيعة بدءا من رفاعة وتلاميذه من الرعيل الأول؛ مرورا بجيل النهضة والجيلين الثانى والثالث التاليين الذى شهد أسماء عظيمة، لكنها للأسف مجهولة، ولم تأخذ حقها ولا مستحقها من الشهرة والتعريف والتقدير؛ مثل أسماء: أحمد فتحى زغلول، محمود محمود (وهو الشقيق الأكبر للراحل الدكتور زكى نجيب محمود)، ثم عبدالعزيز توفيق جاويد، وحسن عثمان (الذى ترجم الكوميديا الإلهية لدانتى)، ومن التالين لهم طلعت الشايب، وشوقى جلال، وبشير السباعى، وغيرهم كثير.
أما الأمنية (أو الحلم) فأنا أجد جيلا بل أجيالا من المترجمين الأكفاء، المؤهلين لغويا وثقافيا وإنسانيا، كى يكونوا بحق حملة مشاعل النور، والعيون اليواقظ، تراجمة العصر نحو المستقبل؛ ولن أمل من ترديد وتكرار أنه لا أمل فى الخروج من الأنفاق المظلمة وفترات الالتباس والتردى إلا بالعلم والمعرفة والتعليم الحقيقى.
ما الذى هاج كل هذه الشجون والتأملات؟
ربما بمناسبة اللقاء الذى تشرفت بحضوره على هامش المشاركة فى منتدى البحث العلمى السادس للباحثين الشباب بعنوان «دينامية الهوية فى عصر العولمة فى الأدب واللغة والترجمة»؛ والذى انعقدت فعالياته بكلية الألسن جامعة عين شمس على مدى ثلاثة أيام خلال الفترة من 12 إلى 14 مارس، وشارك فيه عشرات الباحثين والأساتذة من جميع التخصصات والأقسام والجامعات فى حدث علمى وأكاديمى وثقافى مهم. كان لقاء جميلا وحيويا وممتعا؛ سعدت فيه بالمناقشة والحوار مع أساتذة أجلاء وباحثين شبان وباحثات شابات مستقبلهم واعد ومبشر، بإذن الله.
كانت التعليقات والمداخلات والأسئلة؛ كلها مهم وكلها دال على قطاع معتبر من النظر والتفكير فى الجسر المفقود بين الجامعات والمؤسسات الأكاديمية عموما وما يدور خارج أسوارها (أو هكذا أتصور).. أظن أن المبادرات المنفتحة التى بدأت تترى فى السنوات الأخيرة فى عدد من جامعاتنا العريقة (القاهرة، وعين شمس، وغيرهما) ستلعب دورا كبيرا جدا فى تجديد النظر فى مشكلاتنا وقضايانا العالقة، وتوسيع رقعة الإفادة من الخبرات والمعارف المتراكمة ليس فى الجامعة وحدها إنما بالنظر إلى ما يدور خارجها أيضا وهو كثير ومتنوع ومهم.
كل الشكر والتقدير للأستاذة الدكتورة سلوى رشاد وكيلة الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، وممتن لدعوتها الكريمة وحفاوتها الصادقة.. ولكل الفريق المعاون وكل الحب والامتنان والأمنيات المخلصة للصديق الباحث الواعد والمترجم النشط إسلام فوزى (نسعد بتهنئته قريبا إن شاء الله بالحصول على درجة الماجستير فى اللغة الإيطالية وآدابها) أحد حملة مشاعل الأمل والتفاؤل والطاقة الإيجابية والثقة فى مستقبل هذا الوطن.