الثورة وحديث المؤامرة
عبد الفتاح ماضي
آخر تحديث:
السبت 16 أبريل 2011 - 10:15 ص
بتوقيت القاهرة
لاشك أن المؤامرة جزء من السياسة والتاريخ، فالدول تخطط لتحقيق مصالحها على حساب غيرها بجميع الطرق الممكنة، لكن يجب التمييز بين تصور أن الغرب هو الذى يحرك الانتفاضات العربية، وبين حقيقة أنه يحاول التدخل فى شئوننا بعد سقوط حلفائه فى المنطقة.
فيما يلى أربعة أسباب تشكك فى حديث المؤامرة حول أن الثورة المصرية والانتفاضات العربية تحركها أمريكا لضرب استقرار المنطقة وتفتيت المنطقة. أعتقد أن من يروج أو يؤمن بهذا لا يدرك أن:
أولا: الشعوب التى عاشت لعقود تحت الاستبداد وتسطيح العقول تنتشر بينهم أحاديث المؤامرة، وخاصة أسطورة «استحالة امتلاك الناس لإرادتهم وتحركهم ضد الظلم والاستبداد». معظم من يروج لهذه المؤامرة من الفئة المغيبة سياسيا، التى تفهم التاريخ على نحو عجيب، فانتفاضات وثورات المصريين بدءا بعرابى، مرورا بثورتى 1919 و1952، وانتهاء بثورة 2011 تُفهم من منظور واحد هو المؤامرة، وذلك على نسق فهم التاريخ كله على أنه مؤامرة يهودية. ويسيطر على هؤلاء الخوف، فهم لم يشتركوا أبدا فى معارضة النظام السابق قبل 25 يناير، ولم يخرجوا فى مظاهرات ما بعد 25 يناير، وبعضهم لا يصدق أن نظام مبارك قد انتهى!
ثانيا: الثورة المصرية، كغيرها من الثورات، لم تأت من فراغ، فهى نتاج طبيعى لتردى أوضاع المصريين، ولرفض مبارك ونظامه كل محاولات الإصلاح التدريجى. ربما لم يدرك هؤلاء نضال المصريين منذ سنوات ضد مبارك، ولم يسمعوا عن مئات الاحتجاجات ولا عن آلاف المصريين الذين اعتقلوا وسجنوا بغير ذنب، ولا عن ملايين المصريين الشرفاء الذين احتفظ لهم جهاز أمن الدولة بملفات لأنهم رفضوا أن يكونوا مع القطيع المستفيد من النظام ولم يصمتوا أمام جبروت الأمن وزبانية النظام.
ثالثا: ليس من مصلحة الغرب أبدا الانقلاب على أنظمة تابعة وصديقة له ولإسرائيل، لعدة أسباب. فالأنظمة أفادت المصالح الغربية والإسرائيلية أكثر من المصالح الوطنية. وبرغم أن للغرب تاريخا طويلا فى تغيير الحكام المناوئين (فقط) عن طريق المخابرات وانقلابات العسكر والقصر، إلا أنه لم يفعل هذا أبدا بدعم الثورات الشعبية. فالثورة ليست من الطرق التى يلجأ لها الغرب لتغيير الحكومات بشكل عام، خوفا من الشيوعيين فى السابق، وخوفا الآن من الإسلاميين واليساريين والناصريين، الذين سيكونون غالبا ضد المصالح الغربية، بل ومن التيارات الوطنية الليبرالية التى لن تكون إلا مناوئة أيضا للمطامع الغربية على عكس ما يتصور البعض. بجانب أن «الفوضى الخلاقة» قد تؤثر على تصدير النفط للغرب وقد تؤدى إلى امتداد تنظيم القاعدة إلى الدول التى تشهد حروبا أهلية كاليمن والجزائر وليبيا.
وهناك سبب متصل بالفكر الليبرالى الغربى ذاته، الذى لا يعترف أساسا بالثورات طريقا للتغيير، لأنه يعتبر أن الديمقراطية ومجمل الحضارة الغربية، وإنْ بدأت بثورات مبكرة (الثورتان الأمريكية والفرنسية)، إلا أنها توفر وسائل أكثر سلمية للتعبير عن مطالب التغيير.
رابعا: لكل ثورة أعداء فى الداخل والخارج. أعداء الداخل هم الفئات التى استفادت من النظام السابق. وطبيعى أن يروج هؤلاء لكل ما يشكك فى الثورة ويثبط عزائم الناس، أملا فى إعادة التاريخ إلى الوراء، أو انتقاما ممن هدم المعبد على رءوسهم. أما أعداء الخارج فمن مصلحتهم بث الشائعات لإضعاف تلك الشعوب وهز ثقتها فى نفسها، ومحاولة التأثير على حكومات المستقبل، وتضخيم دور إسرائيل وأمريكا.
العامل الأساسى وراء كل تلك الأسباب هو الجهل وانخفاض الوعى، ولهذا فمعركتنا القادمة معركة التوعية والتعليم والإعلام الهادف بجانب معركة بناء الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات والشفافية والمساءلة.