تطورات الوضع فى ليبيا
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 16 أبريل 2011 - 9:52 ص
بتوقيت القاهرة
دعانى التطور المتسارع للأحداث فى ليبيا، وتوجهات مسارها، إلى معاودة الكتابة عن الموضوع، اتصالا بما سبق. كما دفعنى إلى ذلك أيضا التعليق الذى بعث به أحد السادة من قرَّاء الصحيفة على مقالى السابق، والذى عرض فيه لوجهة نظره حول ما اعتبره «حقيقة ما جرى فى ليبيا».
وأجد بداية أنه من الضرورى أن أعدد التطورات الإيجابية، والمكاسب المؤكدة، التى حققتها الثورة منذ اندلاعها فى منتصف فبراير الماضى فى هذا البلد الشقيق، والجار الذى يشاركنا حدودا طويلة:
أولا: لا شك أن إرادة شعب ليبيا قد تجلت بوضوح فى ضرورة إحداث تغيير جذرى على أسلوب وطريقة الحكم، ولزوم تحطيم الأصنام التى فُرض عليه، تأليهها وعبادتها، لأربعة عقود متوالية.
ثانيا: لم يفت فى عضد الشعب ذلك البطش العسكرى الذى قابل به النظام المحتجين، إنما اضطر الشعب إلى تطوير أساليب مقاومته لها بكل ما وقع تحت أياديه من معدات، لا يمكن أن تضاهى ما يمتلكه النظام.
ثالثا: لم يكن غريبا إذن أن نرى ذلك التعاطف الكبير من قبل المجتمع الدولى تجاه الثوار ومطالبهم المشروعة. أوقفت الجامعة العربية مشاركة الوفود الحكومية الليبية فى مختلف اجتماعات الجامعة ومنظماتها، وبدوره لم يتردد مجلس الأمن فى دعوة مختلف الدول إلى اتخاذ جميع التدابير الضرورية لحماية المدنيين، وفَرَضَ حظرا للطيران على المجال الجوى الليبى، وعلى توريد السلاح. وبناء على ذلك التفويض تولت الولايات المتحدة، التى قادت فى البداية عمليات التحالف، تحييد جزء كبير من القدرات العسكرية الليبية وبخاصة الجوية، وأعلن حلف الأطلنطى، الذى تولى القيادة بعد ذلك، أن الجيش الليبى قد فقد ثلث قدراته العسكرية خلال فترة لا تزيد كثيرا على الأسبوعين منذ بدء العمليات.
رابعا: ظهرت بعض مؤشرات التصدع فى النظام الليبى، بتمرد بعض رموزه سواء من السياسيين أو العسكريين.
خامسا: يسعى النظام حاليا، من خلال المبعوثين والرسائل الموجهة إلى العواصم المختلفة إلى إفساح المجال أمام التوصل إلى حل سلمى.
سادسا: حدث تطور فى مواقف بعض الدول التى كانت مترددة فى البداية فى المشاركة فى العمليات تحت أى شكل من الأشكال. من أمثلة ذلك تركيا، التى بعثت بسفن إغاثة إلى ميناء مصراتة المحاصر بريا، وألمانيا التى أعلنت عن نيتها إرسال جنود من أجل المساهمة فى العمليات الانسانية.
سابعا: حصل المجلس الوطنى الانتقالى فى بنغازى على اعتراف عدد من الدول، كما بعثت دول أخرى بمبعوثين دبلوماسيين إلى هناك، وسبق للجامعة العربية أن أوصت بالتعاون والتواصل مع المجلس.
ثامنا: بدأ الثوار ــ أو كادوا ــ فى تصدير بترول المناطق الشرقية إلى الخارج عن طريق طبرق، (دفعة أولى من مليون برميل قيمتها حوالى مائة مليون دولار). ولا شك أن عوائد البترول ستمكنهم من الصمود فى مواجهة قوى القذافى. جدير بالذكر أن ثلثى آبار البترول الليبى، بالإضافة إلى معامل التكرير، تقع فى المنطقة الشرقية. ومن هنا نجد إصرار النظام على السيطرة على مناطق الآبار والتكرير فى هذه المنطقة أو تدميرها إذا لم يفلح فى ذلك، وفى نفس الوقت الاستماتة فى الدفاع عن الحقول وموانئ التصدير التى تقع تحت سيطرته.
تاسعا: بدأ وصول المعونات الإنسانية من جهات عدة للثوار عن طريق البحر، وإجلاء الجرحى والمصابين لتلقى العلاج بالخارج.
وبعد أن عدَّدنا الإيجابيات، لابد على الجانب المقابل أن نضع فى الاعتبار عددا من المعطيات التى يمكن أن تؤثر على نتائج المواجهات الدائرة ومسار الأحداث هناك:
أولا: لا يتطلع أى شعب مناضل ــ وشعب ليبيا ليس استثناء ــ إلى أن تتولى دولة أجنبية، أو عدد من الدول، خوض معركته الوطنية نيابة عنه إنما، تبقى رغبته فى الحصول على ما يدعم موقفه فى مواجهة طرف لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم فى حقه.
ثانيا: لابد من الاعتراف بأن الميزان العسكرى إنما يرجَحُ ناحية قوات القذافى التى تتفوق على قوات الثوار من حيث الخبرة، والتدريب، ونوعية السلاح.
ثالثا: لم يكن غريبا أن تتخلى الولايات المتحدة فى وقت مبكر، عن مسئولية قيادة قوات التحالف، وتسلم هذه المهمة لحلف الأطلنطى. فالولايات المتحدة متورطة حتى أذنيها فى الحرب فى أفغانستان، ويتحدث الآن وزير دفاعها عن إمكانية استمرار بقاء قواتها أو بعضها فى العراق بعد انقضاء تاريخ الانسحاب الذى تم الاتفاق عليه فى السابق وهو آخر العام الحالى. وهناك أيضا الأوضاع المضطربة فى البحرين واليمن. ولأمريكا فى كل هذه الدول مصالح حيوية، بخلاف الحال مع ليبيا، كما صرح بذلك وزير الدفاع الأمريكى نفسه.
رابعا: تتكرر الأخطاء التى ترتكبها طائرات الناتو، وتتعرض قوات الثوار إلى ما يطلق عليه بالنيران الصديقة من وقت لآخر، بما يؤدى إلى إرباكها والحيلولة دون تقدمها، بالإضافة إلى شكوى الثوار من انخفاض معدلات الضربات الجوية وتقصير الناتو فى حماية سكان مدينة مصراتة بالذات من عمليات الإبادة التى تتعرض لها من قبل قوات القذافى التى تحاصرها برا.
خامسا: ليس هناك اتفاق فى الرأى حول إمكانية تسليح الثوار، فقرار مجلس الأمن جاء خلوا من الإشارة إلى هذا الأمر، بل يتعارض ذلك فى الواقع مع فقرة أخرى جاءت فى القرار وتدعو إلى وقف إطلاق النار، وضرورة البحث عن حل سلمى للأزمة. ويخشى المراقبون من حدوث انقسام داخل الناتو حول موضوع التسليح إذا ما أثير داخل أروقة الحلف.
سادسا: بدأت أصوات داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية فى التعبير عن قلقها من إمكانية بقاء الأوضاع على ما هى عليه أو مراوحة مكانها لفترة طويلة مقبلة، دون أن يتمكن أى من الطرفين من تحقيق نصر حاسم على الطرف الآخر. كما استبعد القائد الأمريكى المسئول عن أفريقيا أن يتمكن الثوار، بإمكانياتهم المتواضعة، من إحداث اختراق ملموس فى اتجاه طرابلس. واتصالا بذلك عبَّر المسئولون فى حلف الأطلنطى عن نفس المخاوف، مؤكدين الحاجة إلى التوصل إلى حلول سلمية، حيث لا يبدو أن حلاَ عسكريا بات فى الأفق.
ومع كل ذلك فإن عدم إذعان الثوار لضغوط وتهديدات قوات تتفوق عليهم عتادا وتنظيما، إنما يؤكد مدى تصميمهم على الصمود، وإصرارهم على تحقيق أهدافهم مهما كلَّفهم ذلك من عناء وتضحيات.
ويلقى ذلك بالتالى على المجتمع الدولى مسئوليات مضاعفة فيما يتعلق:
1- بمواصلة تضييق الخناق على النظام فى طرابلس، وحرمانه من أية موارد مالية، أو عسكرية، وشل حركة قواته التى تهاجم المدنيين وتفاقم من وضعهم المعيشى.
2- وبالعمل على اكتساب المجلس الوطنى الانتقالى المزيد من اعتراف الدول بغية إضفاء الشرعية الدولية عليه.
3- توجيه إنذار جديد من مجلس الأمن الدولى، للنظام فى طرابلس، لرفع الحظر الذى يفرضه على المدن وبخاصة مصراتة، التى يتعرض أهلها فى الواقع إلى ما يقترب من عملية إبادة، على أن يتوعد المجلس النظام بعقوبات أشد وأكثر إيلاما، إذا لم يقلع على الفور عن ارتكابه لجرائمه.
4- التوسع فى تقديم المعونات الإنسانية الغذائية والطبية برا أو بحرا إلى المناطق المحررة والمحاصرة.
5-أهمية تأكيد المجلس الوطنى الانتقالى على انفتاحه على أية جهود أو مبادرات تستهدف التوصل إلى حلول سلمية (جهود مبعوث الأمم المتحدة ــ مقترحات الاتحاد الأفريقى ــ خريطة الطريق التى أعلن عنها رئيس وزراء تركيا) وذلك بشرط التمسك بمبدأين أساسيين:
الأول: زوال النظام، الذى فقد شرعيته فعليا بإعلانه الحرب على شعبه.
والثانى: التمسك بوحدة التراب الليبى، تطبيقا لقرارات الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولى.