الجيش والشعب والشرعية فى المرحلة الانتقالية


عاطف شحات

آخر تحديث: السبت 16 أبريل 2011 - 9:54 ص بتوقيت القاهرة

 ربما يرى البعض أن أحداث التاسع من أبريل الماضى نقطة مفصلية جديدة فى المرحلة الانتقالية وربما لا يراها البعض كذلك. لكن من المؤكد أن الجدل الحادث بعدها أصبح أكثر أهمية وخطورة، حيث يمس العلاقة بين الشعب والجيش. قبل هذه الأحداث كان هناك تفاوت بين النفاق للقوات المسلحة والهجوم الشديد عليه. طالب الفريق الأول بطول فترة ادارة الجيش للبلاد بوصفهم الضامن الحقيقى لمرور الفترة الانتقالية بسلام.

كما طالب بضرورة ان يكون للجيش نصيب أى معادلة سياسية فى المستقبل. وقال الفريق الثانى اننا محكومون الآن بديكتاتورية عسكرية. أما بعد هذه الأحداث فقد علا صوت كثيرين محذرين من خشية الوقيعة بين الجيش والشعب. ومع كل تقديرنا واحترامنا للمؤسسة العسكرية ودورها الوطنى، فإننا ربما علينا أن نتفهم أن شعب الثائرين لا يكفيه دائما خطاب التطمينات والرصيد. ويجب ان نتفق جميعا على أن إبداء الملاحظات وتقديم التساؤلات لا يعنى التشكيك فى وطنية القوات المسلحة. ففى الحقيقة فإن أحداث 9 أبريل الماضى قد فجرت بعض القضايا المهمة مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين وقضية غياب الإطار المؤسسى القانونى للنقاش والبحث فى بعض الأمور مثل أحداث 9 أبريل. لكن هذه الأحداث طرحت أكثر من أى وقت مضى الحاجة للبحث فى مسألة الشرعية وسيادة القانون فى المرحلة الانتقالية بطريقة أكثر هدوءا.

وبعيدا عن النفاق والهجوم وعلو الصوت، يبدو لى أن هناك سؤالا جوهريا حول أساس إدارة الجيش للبلاد فى الفترة الانتقالية تم تجاهله هو: ما هى علاقة الجيش والشعب بالشرعية فيما بعد ثورة يناير 2011، وخاصة فى الفترة الانتقالية؟ فى هذا قالت الكاتبة أهداف سويف ان هناك لبسا سبَّبه عدم وضوح أساس إدارة الجيش للبلاد فيما بعد الثورة، فهى تأتى: إما تفويضا من الرئيس السابق، او استنادا إلى قوة الجيش، أو كتفويض من الشعب (الشروق 28 فبراير 2011). وفور الاستفتاء على التعديلات الدستورية قال المستشار طارق البشرى إن سلطة الجيش بإدارة البلاد هى سلطة تفويض لإدارة المرحلة الانتقالية حتى إجراء انتخابات ووجود سلطات مدنية منتخبة، وإن هذا التفويض جاء بناء على الشرعية الثورية المستمدة من الشعب وليست الشرعية الدستورية (المبنية على الدستور القديم الذى سقط بالثورة) (الجارديان 21 مارس 2011). نتج هذا الوضع كما يقول المستشار البشرى ورأى كثيرون عن واقع أن الثورة الشعبية المصرية لم يكن لديها المنظمات او المؤسسات التى تستطيع أخذ السلطة وإدارة البلاد، وكأن الأمر بأنه تم تسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وإذا سلمنا بأن الأمر هذا التفويض مرتبط بإطار إدارة شئون البلاد لحين وجود سلطة مدنية منتخبة وأن الإعلان الدستورى يمثل شرعية دستورية انتقالية، فما هى حدود هذا التفويض؟ وفى هذا ذكر المستشار هشام البسطاويسى فى مركز الدراسات الاشتراكية بتاريخ 29 مارس الماضى، اننا يجب ان نقدر للجيش وقفته الوطنية بجوار الشعب، ويجب أن نحترم أن الجيش ليس ثوريًا بطبيعته. لكنه أضاف: وإذا كان الجيش يحكم نيابة عن الشعب، فإن تفويض الشعب له ليس «شيكا على بياض»، وتجدر الإشارة هنا مثلا إلى ان أحد الشباب قد كتب معلقا على (بوست) فى صفحة «كلنا خالد سعيد» مؤخرا قائلا: «كلنا نثق بالجيش، لكن ثقتنا هى ثقة مبصرة مبنية على تعهد الجيش بتحقيق مطالب الثورة، فقد انتهى عهد الثقة العمياء إلى الأبد». وتذكرنا هذه العبارات بمقولة مهمة جاءت فى حيثيات حكم مهم للمحكمة العليا الأمريكية فى سياق الحرب على الإرهاب، عندما قررت المحكمة العليا بتاريخ 28 يونيو 2004، بعدم دستورية احتجاز أحد المواطنين الأمريكيين فى جوانتانامو. وقالت القاضية ساندرا داى أو كونور: إن حالة الحرب لا تعنى أن يكون لرئيس الجمهورية تفويض على بياض عندما يتعلق الأمر بحريات المواطنين. وهذا بالطبع مع وجود فارق بين تفويض الكونجرس للرئيس الأمريكى فى حالة الحرب وتفويض الشعب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة المرحلة الانتقالية. وربما يبدو هذا النقاش نظريا، حيث لم يجلس الشعب فعلا ويقوم بهذا التفويض.

وكانت العديد من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية قد أكدت قبل أحداث 9 أبريل وجود بعض وقائع التعذيب من قبل أفراد الشرطة العسكرية للمواطنين المصريين، ودعمت هذه المنظمات هذه التقارير بشهادات لضحايا التعذيب انفسهم، وجاء فى هذه الشهادات ان الأمر قد وصل إلى عمل كشف عذرية على المقبوض عليهن من المتظاهرات. تم نفى وقوع هذه الانتهاكات، وكان الأجدى أن تكون هناك طرق مؤسسية للتحقيق وحل هذه الأمور، طرق منبتة الصلة بالممارسات السابقة المبنية فقط على النفى الإعلامى. وقد أكد شهود عيان ان اعتصام 9 أبريل لم يكن مليئا بالبلطجية والفلول كما جاء فى الرواية الرسمية. وقالت أصوات هادئة إننا يجب أن نفرق بين الجيش كمؤسسة وطنية يمثل كشف انتقادها مساسا بالأمن القومى، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة كمشرف على الشئون السياسية للبلاد. وأصبح جامعا بموجب الاعلان الدستورى المؤقت بين كل من السلطة التشريعية وسلطات رئيس الجمهورية. والمشكلة وفقا للوضع الحالى انه لا توجد طرق مؤسسية وقانونية لتنظيم شكاوى الشعب على ممارسة هذه المهمة السياسية. كما ان استمرار قانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية للمدنيين أصبحا يشكلان قلقا شديدا ليس فقط بين النشطاء السياسيين ولكن بين الحقوقيين فى الداخل والخارج. وإذا اتفقنا على ان ادارة الفترة الانتقالية فى اطار من الشرعية وسيادة القانون هى مهمة وطنية يتفق فيها الجميع شعبا وجيشا، فما هى الحلول المقترحة لضمان هذا؟ الحل الأول هو العودة لفكرة المجلس المدنى الرئاسى التى كانت القوى الوطنية قد اقترحتها، وذلك لإبعاد الجيش عن مشاكل الفترة الانتقالية وعودته لثكناته.

اما الحل الثانى فهو استمرار المجلس الأعلى مع تشكيل مجلس مدنى استشارى واسع يمثل القوى الوطنية وهو الاقتراح الذى قدمه الدكتور محمد البرادعى مؤخرا فى ندوة بالجامعة الأمريكية. وإلى أن يحدث الأخذ بأى من الاقتراحين، يجب الإلغاء الفورى لحالة الطوارئ ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإذا لم يحدث ذلك فورا يجب إنشاء لجنة قضائية مستقلة للتحقيق فى المثالب المتعلقة بهذه الأمور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved