آدى اللى أخدناه من الثورة

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الثلاثاء 17 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

إذا اتفقنا أن شعار «الشعب يريد» كان هو المسيطر على أحداث عام 2011، فبالتأكيد سنتفق أن عام 2012 يحمل عن جدارة شعار «موتوا بغيظكم»، أما إذا حاولنا الاتفاق على شعار موحد يعبر عن عامى 2011 و2012 سويا فلن نجد سوى النشيد الوطنى الجديد الذى يجرى على ألسنة معظم أفراد شعب مصر حاليا والذى يقول مطلعه «آدى اللى أخدناه من الثورة»... يمكن تكون بترددها حالا بمرارة وانت بتشوف كل أحلامك للبلد بتذهب أدراج الرياح، براءات بالجملة، أرواح راحت وماجاش حقها، برلمان ورقى، إعلام على كل لون يا باتسطة... ممكن برضه تكون رددتها باستنكار وانت واقف فى طابور أنابيب، أو طابور بنزينة، أو وانت متثبت على الدائرى، بس الأكيد إننا كلنا كنا مستنيين أشياء محددة من الثورة والأكثر تأكيدا إن بالنسبة لكتير منا مافيش أى حاجة اتحققت.

 

وأنا وإن كنت متفقة مع الجميع إن المكاسب المادية غير ملموسة ولا ترى رأى العين، لكن المكاسب المعنوية فى رأيى لا تعد ولا تحصى، يكفى إننا كشعب بدأ للمرة الأولى من زمن طويل إنه يعرف هو مين، زمان كنا كلنا مخطوفين، مرميين فى بدروم واحد تحت تأثير المخدر اللى كتموا بيه أنفاسنا الـ30 سنة اللى فاتت، فكنا متوحدين على هدف واحد، إننا كارهين البدروم ده، ونفسنا نخرج منه فى أسرع وقت بس مش قادرين. لما خطينا خطوة واحدة بره البدروم وارتدلنا بعض من وعينا، وشوفنا بعض وسمعنا صوت بعض استغربنا بعض، وبدأت تخرج منا أفعال وردود فعل ما تخيلناش أبدا إنها ممكن تصدر مننا. الثورة كانت فرصة ذهبية لإننا نشوف نفسنا قبل ما نشوف اللى احنا مختلفين معاهم.

 

حضرتك مثلا كنت متخيل إنك إنسان متواضع غير متعالٍ مؤمن إيمانا تاما إن كلنا ولاد تسعة، لحد ماجيه يوم وانت بتتفرج على التليفزيون وشاورت على شباب بسيط وقلت «طب ده منظر ولاد ناس؟ دول كلهم سرسجية من العشوائيات». كنت فاكر نفسك متسامح مؤمن بالمواطنة وبينطلق لسانك زى الرهوان فى أى لقاء تليفزيونى بمناسبة أى حادث طائفى ويحكى حكاية جارتكم طنط تريز اللى بتبعتولها كحك كل عيد وبتعلقوا فى بلكونتها كل سنة فانوس رمضان، لغاية ما فوجئت بنفسك أيام أحداث ماسبيرو شايف إن كل اللى راحوا يستاهلوا وبتسأل نفسك: «عايزين إيه دول دلوقت؟ مش لما المسلمين ياخدوا حقهم الأول يبقى المسيحيين يدوروا عليه؟». كنت بتفتخر دايما إنك راجل جنتلمان مؤمن بحقوق المرأة وشايف إن البنت زى الولد ماهيش كمالة عدد لحد ما لقيت نفسك بتتساءل عن العباية اللى بكباسين وسمعت نفسك بتقول: «وهى إيه اللى وداها هناك؟». كنت فاكر نفسك ليبرالى قلبا وقالبا لحد ما فوجئت بنفسك بتدور على أكثر مرشح رئاسة يرفع الدين شعار له ولقيت نفسك بتأيده. كنت فاكر إنك إسلامى الهوى لكن لقيت عقلك بيشدك ناحية النفور من كل أعضاء التيار السياسى الدينى جمعاء. كنت فاكر إنك صاحب أفق متسع وصدر رحب وبتتقبل الكل كليلة، لحد ما لقيت نفسك بتقصى أى حد يختلف معاك فى الرأى من أى حوار. كنت متخيل إنك سبع رجالة فى بعض ولقيت نفسك بتعيط وانت ماشى فى شارع فاضى خوفا من بلطجى يثبتك أو عصابة تخطفك وتطلب فدية بعد ما الخطف لم وبأه الكل بيتخطف اللى يسوى واللى ما يسواش.

 

فى النهاية الثورة يمكن ما حققتش كتير فى الظاهر، لكنها كانت مراية أظهرت لكتير منا شخصيته الحقيقية اللى ماكانش عنده أى فكرة عنها لأنه عمره ما اتحط فى موقف اختيار وعمر اللى جواه ما اتحط تحت الاختبار، على الأقل دلوقتى ناس كتير فينا عرفوا هم فعلا مين وبيؤمنوا بإيه. ممكن تكون النتيجة بالنسبة لهم إيجابية فثقتهم بنفسهم وباللى بيؤمنوا بيه تزيد وممكن يكون العكس وتبقى الفرصة سانحة ليهم دلوقت عشان يتعرفوا على عيوبهم ويمكن يحاولوا يتغيروا للأحسن، لو كانت دى الحاجة الوحيدة اللى حصلتلنا بعد الثورة، فعن نفسى شايفة إنها نتيجة ممتازة وشىء مفيد، يكفى إننا كأفراد عرفنا إحنا مين، إيه مميزاتنا وإيه عيوبنا، نفتخر بإيه فينا ونخجل من إيه، ودى خطوة أولى نعرف بعدها إحنا بالظبط عايزين لبلدنا إيه، وآدى اللى أخدناه من الثورة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved