الجانب السلبى للجوائز العلمية
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 16 أبريل 2022 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
ما هو المشترك بين الأسماء الآتية: مارى كورى وجون باردين وفريدريك سنجر؟ المشترك أن كلا منهم حصل على جائزة نوبل فى تخصص علمى (لن نتكلم عن جائزة نوبل للسلام) مرتين، مارى كورى هى الشخص الوحيد الحاصل على جائزتى نوبل فى تخصصين مختلفين (فيزياء وكيمياء) وجون باردين حصل عليها مرتين فى الفيزياء وفريدريك سنجر مرتين فى الكيمياء، طبعا قد ينبهر الكثيرون من ذلك، لكن هناك جانبا سلبيا للجوائز العلمية الكبرى ونحن نأخذ نوبل كمثال لكن ما نقوله ينطبق على الجوائز العلمية الكبرى عامة، فما هو الجانب السلبى للجوائز العلمية؟
أولا: هى تعطى الأجيال الجديدة رمزا يطمحون للوصول إلى ما وصل إليه لكن الشباب دائما ما يأخذون الشخص كرمز لا يجوز المساس بأى جانب من جوانب شخصية وتعطيه هالة من القدسية نتيجة للانبهار وهذا خطأ، من الجميل أن نتعلم من الباحثين المتميزين لكن أن نقلدهم فى كل شىء ونعتبرهم علماء أفذاذ فى كل المجالات فهذا هو الخطأ الجسيم الذى يقع فيه أغلب الشباب، قد تسمع من يقول أنه سيكون أينشتاين الجديد، فهل تعلم أن لأينشتاين ابنة غير شرعية؟ هل تعلم أن أينشتاين قد زار بورسعيد وقال فى مذكراته بعض الملحوظات التى تنضح بالعنصرية؟ هل تعلم أن مارى كورى كانت على علاقة بتلميذ زوجها والذى كان متزوجا وله من الأطفال أربعة؟ وقد كشفت زوجة هذا الشخص العلاقة وكانت فضيحة كبرى حتى أن بعض الناس طالبت مارى كورى بعدم الذهاب لاستلام جائزة نوبل الثانية لأنها مثال سيئ، قد تقول مالنا وحياتهم الشخصية؟ هذا صحيح، ولكن الشباب يقلدون هؤلاء بحلوهم ومرهم للأسف، بل هناك من يقلدهم فى طريقة الكلام والملبس وكأن ذلك سيجعلهم من كبار الباحثين.
ثانيا: الجوائز تفتح الطريق للمنافسة غير الشريفة، وحادثة سرقة جيمس واطسون وفرانسيس كريك صور أشعة قد حضرتها روزلين فرانكلين دون علمها (باعتراف واطسون بنفسه فى مذكراته)، وقد ساعدتهم تلك الصور على اكتشاف تركيب الDNA وحصلا نتيجة لذلك على جائزة نوبل فى الطب سنة 1962 ولم تحصل عليها روزلين وقد ماتت فى سن صغيرة، وتاريخ العلوم والاكتشافات العلمية ملىء بالمؤامرات والمنافسات غير الشريفة طمعا فى الجوائز والشهرة.
ثالثا: الجوائز تجعل الباحث يخطئ فى اختيار المشكلة البحثية التى يعمل عليها، هناك الكثير من المشكلات البحثية التى تنتظر الحل فى جميع المجالات فكيف يختار الباحث؟ المفترض أن يختار الباحث المشكلة العلمية التى تحتاج قدرات تناسب قدراته وطريقة تفكيره وخبرته، لكن ما يحدث هو أن يختار الباحث المشكلة التى يعتقد أن حلها كفيل بمنحه جائزة كبرى، لكن تلك المشكلة البحثية قد لا تناسبه، كل باحث له شخصيته وطريقة تفكيره وكل مشكلة بحثية لها أيضا شخصيتها من حيث طريقة التفكير فيها للوصول إلى حل، فإذا لم تتوافق الشخصيات فسيفشل الباحث وقد يشعر بالإحباط أو بالحقد على من حل تلك المشكلة وحاز على الجائزة.
رابعا: تغفل الجوائز عن الكثير من الباحثين العباقرة الذين يستحقون هذه الجائزة أو تلك وتعطى فكرة أن العلم يتقدم بعدد قليل من الباحثين والكثير من المساعدين وهذا خطأ خاصة فى عصرنا الحالى، ماذا لو أن طالب دكتوراه اكتشف اكتشافا علميا أثناء عمله فى الدكتوراه، من سيحصل على نوبل؟ غالبا سيكون الأستاذ المشرف حتى وإن كان الفضل الأكبر للطالب وليس للأستاذ، وهذا ما حدث فى جائزة نوبل للطب سنة 1952 حيث حصل عليها سلمان وكسمان ولم يحصل عليها الطالب الذى عمل معه ألبرت شاتز والذى بالفعل هو من وصل إلى الاكتشاف وليس أستاذه.
فى النهاية لا يمكننا أن ننكر أن النفس البشرية دائما ما تطمح إلى الشهرة أو الاعتراف بالفضل وهذا ضعف بشرى لا نستطيع الهروب منه لكن على الأقل علينا تحجيمه وعدم الاستسلام التام له، وأيضا على المؤسسات التى تعطى الجوائز المرموقة مثل جوائز نوبل أن تعيد التفكير فى عدم إعطاء الجائزة لأكثر من ثلاثة فى نفس التخصص وعدم إعطائها لفريق بحثى أو مؤسسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر حصل راينر ويس وكيب ثورن وبارى باريش على جائزة نوبل فى الفيزياء لاكتشافهم (gravitational waves) لكن ماذا عن الآخرين خاصة أن البحث المنشور فى هذا الاكتشاف به أسماء تقترب من الصفحات الثلاث؟ لن نتكلم عن جائزة نوبل للسلام فلها وضع خاص ولا تُمنح فى استكهولم بالسويد لكن فى أوسلو بالنرويج وبخصوص نوبل للسلام فمؤسسة الصليب الأحمر حصلت عليها ثلاث مرات.