مبادرة أوباما لنزع الأسلحة النووية فى العالم: إيران هى الهدف
سعد محيو
آخر تحديث:
الأحد 16 مايو 2010 - 10:18 ص
بتوقيت القاهرة
ثلاثة أسئلة متلازمة يفرضها تحوّل الأسلحة النووية إلى بند رئيس على جدول أعمال السياسة الدولية، للمرة الأولى منذ أزمة خليج الخنازير الكوبية العام 1958:
لماذا استفاقت واشنطن فجأة على هذا الخطر وفجرته إعلاميا وسياسيا على هذا النحو الكبير، على الرغم أنه كان معنا منذ سنوات عدة مع تحول الهند وباكستان وكوريا الشمالية إلى قوى نووية؟
هل العالم حقا على شفير «فوضى نووية» قد تسفر فى خاتمة المطاف عن انهيار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (أن. بى. تى) التى وقعت فى العام 1968؟
ثم: هل الإدارة الأمريكية جادة حقا فى دعوتها إلى جعل العالم كله منطقة خالية من الأسلحة النووية، كما أعلن الرئيس أوباما فى براغ ثم فى نيويورك؟
فلنقارب معا السؤال الأول.
خلال السنة الماضية، حدّد المحللون الاستراتيجيون الأمريكيون سبعة أسباب حدت بالولايات المتحدة إلى وضع الأسلحة النووية على رأس أولويات سياستها الخارجية: توسّع برنامج القوة النووية الكورية الشمالية، استمرار السعى الإيرانى الحثيث للحصول على القنبلة؛ تفاقم اللا استقرار فى باكستان، بقاء القاعدة على قيد الحياة وسعيها هى الأخرى إلى حيازة السلاح النووى، تنامى الشكوك حول إمكانية انهيار معاهدة «أن. بى. تى»، انبعاث الاهتمام بالطاقة النووية كبديل عن الطاقة الأحفورية، وأخيرا الدروس المستقاة حول فائدة الأسلحة النووية فى الشئون الدولية.
كل واحد من هذه التهديدات يتضمن بالفعل شذرة من الواقع. فكوريا الشمالية باتت تملك عشر قنابل وتواصل انتاج المزيد، جنبا إلى جنب مع تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على حمل الرءوس الذرية. وهذا قد يدفع اليابان وكوريا الشمالية وربما دول أخرى إلى الانضمام إلى النادى النووى.
كذلك، يثير الوضع فى باكستان الكثير من القلق. فهذه الدولة تملك الآن 100 رأس نووية قامت بتوزيعها فى شتى أنحاء البلاد تحسبا لضربة استباقية هندية. لكن فى أكتوبر 2009، نجح متطرفو طالبان الباكستانية فى احتلال المقر العسكرى للحكومة الباكستانية فى روالبندى. ولو أنهم توغلوا أكثر فى المدينة لاخترقوا مخزن أسلحة نووية موجود هناك وسرقوا القنابل المخزّنة فيه.
وحينها، كان من شبه المحتّم أن تسلّم طالبان باكستان حليفها تنظيم «القاعدة» قنبلة منها لاستخدامها إما لضرب مدينة أمريكية (كما كان يهدد أسامة بن لادن حين لوّح بقتل أربعة ملايين أمريكى) أو لابتزاز واشنطن سياسا.
هذا القلق حيال الوضع الباكستانى لا يضاهيه فى الغرب سوى الخوف من تداعيات تحوّل إيران إلى قوة نووية. فى طليعة هذه التداعيات نشوب سباق تسلح نووى حيث ستسعى كل من السعودية ومصر وتركيا وربما الجزائر وسوريا إلى الانخراط فيه، إن لم يكن على مستوى تطوير المعرفة النووية فعلى مستوى شراء القنبلة بالقفل والمفتاح.
ثم يجب ألا نغفل هنا أنه، ومع قرب تحوّل النفط إلى سلعة نادرة، تتسابق دول العالم بشكل هستيرى لبناء مفاعلات الطاقة النووية. وعلى سبيل المثال، هناك الآن 50 مصنعا نوويا قيد البناء معظمهم فى الصين والهند، علاوة على 130 مصنعا ذريا يُنتظر أن يُنجزوا قريبا حول العالم.
هل يعنى كل ذلك أن واشنطن محقة فى تخوّفها من الفوضى النووية؟
هذا يقودنا إلى سؤالنا الثانى.
فوضى نووية؟
فى أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية العام 1962، استنتج الرئيس جون كينيدى آنذاك أن النظام النووى العالمى يفرض مخاطر غير مقبولة على الجنس البشرى. قال: «أرى احتمالا بأن يكون الرئيس الأمريكى المقبل فى السبعينيات مضطرا إلى مواجهة عالم فيه 15 أو 20 أو 25 دولة نووية. وأنا أعتبر ذلك أعظم تحدٍ».
وفى العام 2010، كرر الرئيس أوباما التحذير نفسه تقريبا، محذرا من أن النظام النووى العالمى على وشك التحلل والتداعى، ومتبنّيا شعار عالم من دون أسلحة نووية الذى سبق أن رفعه الرئيس رونالد ريجان.
لكن، لا نبوءة كينيدى تحققت، ولا مخاوف أوباما تبدو على وشك التحقق.
فالعالم لم يشهد فى السبعينيات انفجارا فى عدد الدول النووية، بل اقتصر الأمر على الدول الخمس الكبرى مضافا إليها لاحقا الهند وباكستان وإسرائيل وجنوب إفريقيا.
وفى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تحرّك العالم نحو تقليص عدد القوى النووية لا زيادتها. فقد فككت جنوب أفريقيا قنابلها النووية الست بعد انهيار النظام العنصرى فيها. وما لبثت أن لحقتها ليبيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا والبرازيل والأرجنتين. والحبل لايزال على الجرار.
علاوة على ذلك، من الضرورى هنا رسم خط على الرمال بين التحذيرات التجريدية الأمريكية وبين القدرات الواقعية لدى العديد من دول العالم المرشحة لحيازة القنبلة.
فاليابان وكوريا الجنوبية، على سبيل المثال، وعلى رغم قلقهما الحقيقى من الصواريخ النووية الكورية الشمالية، إلا أنهما مسترخيتان تماما تحت مظلة الحماية النووية الأمريكية.
وفى الشرق الأوسط تبرز صورة مماثلة. إذ حفنة ضئيلة من دول المنطقة لديها البنى التحتية العلمية والتقنية لدعم برامج تسلح نووى. فمصر أوقفت تطوير أبحاثها النووية منذ وفاة الرئيس عبدالناصر، والسعودية تفتقر إلى المعرفة النووية وهى تستطيع على أى حال الاعتماد على المظلة النووية الأمريكية. أما تركيا، وعلى رغم قلقها البالغ من احتمال ابتلاع إيران النووية العراق، فإنها ستتردد كثيرا قبل الإقدام على خطوة حيازة القنبلة، لأن ذلك قد يُكلّفها خسارة فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.
وفى أمريكا اللاتينية، أدى توقيع معاهدة تلاتيلوكو التى حظرت انتاج الأسلحة النووية فى هذه المنطقة وفى حوض البحر الكاريبى، إلى استبعاد أى احتمال لاستخدام البرازيل والأرجنتين مخزونهما الكبير من اليورانيوم عالى التخصيب لأهداف عسكرية.
ثمة إذا، كما هو واضح، مبالغات فى التحذير من «الفوضى النووية». وهى بالمناسبة تبدو مبالغات متعمدة وتتضمن أهدافا سياسية وإستراتيجية واضحة ووحيدة: سحب البساط الدولى من تحت أرجل إيران.
فواشنطن تعرف تماما أن هذه الدعوة حلم مستحيل بقدر ما أن استعمال الأسلحة النووية كابوس مستحيل. لا بل أكثر: ثمة إجماع فى دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة على أن عالما من دون أسلحة نووية سيكون خطرا للغاية. فالحرب التى انتفت بين الدول الكبرى بسبب توازن الرعب، ستحظى مجددا بحياة جديدة. وصعود الصين إلى قمرة القيادة العالمية لن يكون مسالما كما الحال الآن..
ماذا يعنى كل ذلك؟
أمر واحد: تجريد العالم من السلاح النووى ليس واردا لا الآن ولا غدا، ولا فى المستقبل القريب أو البعيد. ولأن الأمر على هذا النحو، لا يبقى سوى الاستنتاج بأن رفع هذا الشعار المستحيل هدفه الوحيد الوصول إلى الحصيلة المُمكنة: محاصرة إيران بـ«كل الأسلحة» وضعضعة وضعها الأخلاقى وتموضعها الدولى، خاصة فى العلاقة مع روسيا والصين.
كتب جدعون راتشمان فى «فايننشيال تايمز»: «أولوية أمريكا الفورية والعاجلة هى منع إيران من تطوير الأسلحة النووية. وكوسيلة تكتيكية لمواجهة الحملات الإعلامية الإيرانية، دعت أمريكا إلى نزع شامل للأسلحة النووية. إنها خطة لامعة وذكيّة».
وراتشمان على حق، على الأغلب.