اشتداد المنافسة على الترشح للرئاسة

سمير كرم
سمير كرم

آخر تحديث: الأربعاء 16 يونيو 2010 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

 تتراجع فرص فوز جمال مبارك، ليس فقط للفوز بالرئاسة، بل للترشح لها.ليس أدل على ذلك من أن منافسه الأول (حتى هذه اللحظة) هو سياسى مخضرم تجاوز الثمانين من عمره، ومع ذلك تبدو فرصة ترشيح السياسى المسن أكبر من ترشيحه.

نعم فى اللحظة الراهنة ــ ونتيجة لتطورات الشهور الماضية من الحراك السياسى ــ تبدو فرص ترشح الرئيس حسنى مبارك للرئاسة لفترة سادسة، تبدأ فى عامه الثالث والثمانين وتنتهى فى عامه التاسع والثمانين، أعلى من فرص ترشح نجله جمال الذى لم يبلغ الخمسين من العمر.

إن حالة من عدم الاستقرار تجتاح الحزب الوطنى الذى يتولى أمر آليات الترشيح لانتخابات الرئاسة بين أسبوع وأسبوع، بل بين يوم واليوم الذى يليه، لدرجة تجعل التنبؤ بشكل موضوعى وهادئ وواضح وعلى أسس سليمة أمرا يبدو مستحيلا أو شبه مستحيل.

قبل شهور قليلة كانت حظوظ مبارك الابن تبدو أفضل كثيرا للترشح. كان يبدو أن ثمة إجماعا فى النخبة التى تملك صنع قرار الترشيح على أن فرصة مبارك الابن كمرشح أفضل من فرصة مبارك الأب...بل لم يكن خيار ترشيح مبارك الأب مطروحا بأى درجة من الحماس أو الجدية.

لم يكن ترشيح الدكتور محمد البرادعى للرئاسة قد بدأ فى الأفق، ولم تكن حركة التغيير قد نمت بالصورة التى تبدو عليها اليوم. لكن ما إن بدأ هذا الاحتمال وتزعم البرادعى حركة التغيير الدستورى التى تصدرت معه الحراك السياسى، حتى شعرت النخبة فى الحزب الوطنى بأن مبارك الأب مرشح أقوى من مبارك الابن. وبدأت تظهر من داخل هذه النخبة نخبة أصغر عددا لكنها أعلى صوتا تؤكد أن لا أحد أقوى من مبارك الأب.. لا مبارك الابن ولا البرادعى ولا غيره.

والمعنى الحقيقى لظهور نخبة النخبة هذه أن هناك قادة فى الحزب الوطنى ــ ممن يعرفون أن مسئولية فوز مرشح الحزب ستقع على عاتقهم ــ يدركون أن استخدام آليات الفوز (التى تسميها المعارضة وكذلك الجماهير آليات التزوير) سيكون ضروريا ككل الانتخابات التى جرت على الأقل فى السنوات العشرين الأخيرة.. لكن استخدامها لإنجاح مرشح تواجهه معارضة شعبية عارمة ومنافسة من خارج السلطة هو عبء أكبر كثيرا من استخدام الآليات نفسها لإنجاح مرشح سبق أن نجح خمس مرات باستخدامها.

هذه المرة تدرك نخبة النخبة، التى تسير فى طريق إفشال ترشيح مبارك الابن، أن آليات إنجاح المرشح «الرسمى» لابد أن تضع فى اعتبارها وجود مرشح معارض.. سواء كان مرشحا رسميا تعدل من أجل الاستجابة لحركته مواد فى الدستور من شأنها أن تحول بينه وبين الترشح، أو كان مرشحا غير رسمى يتمتع بوزن شعبى أثقل من الرسمى لأن مواد الدستور ستبقى لتلائم المرشح الأكبر لفترة سادسة.
بتعبير أوضح فإن نخبة النخبة التى تعلق نفسها وآمالها بذيول نفوذ المرشح الكبير تخشى أن تكون آليات الفوز هذه المرة ــ فى وجود اهتمام جماهيرى ووجود معارضة لها مكانتها ــ سيجعل التزوير والتزييف أصعب فى التنفيذ أمام أعين الداخل والخارج، ولن يحول بين الجماهير والمعارضة وتوجيه الاتهام باللجوء إليه.

آليات الفوز ــ وأشدها جرأة وخروجا على القوانين والأعراف ــ ستستخدم على أى الأحوال إذا رشح الحزب الوطنى الرئيس الأب أو رشح الابن، لكن احتمالات العاصفة فى مواجهة إنجاح المرشح الأصغر عمرا وتجربة ستكون أعنف وأكثر هياجا وأكثر استعدادا للصدام. إن استخدام آليات الفوز سيكون حتميا فى الحالتين لكن تقدير نخبة النخبة فى الحزب الوطنى هو أن قاعدة «من تعرفه أحسن ممن لا تعرفه» ستنطبق أكثر هذه المرة على الرئيس الأب وعلى المرشح الابن.. وإن كان من المستحيل أن يخوضا انتخابات الرئاسة معا.

ومعنى هذا أن نخبة النخبة بين رجال (ونساء) الحكم تدرك أن المعركة الرئاسية المقبلة ستكون تحت مراقبة عيون دولية بصورة لم يسبق لها مثيل فى انتخابات الرئاسة الخمس السابقة. ويرجع هذا إلى ما يمكن اختصارا أن نسميه «عامل البرادعى»، سواء أتيح للبرادعى، أو لم يتح، أن يرشح نفسه بالشروط التى طلبها، وأولها تغيير المواد الدستورية المتعلقة بالترشيح.

إن «عامل البرادعى» ــ كمرشح رسمى أو غير رسمى ــ يضاعف قوة الملاحظة الدولية لمجريات الانتخابات. أما لماذا لا نقول قوة «المراقبة الدولية» فلأننا نستبعد من الآن وبصورة تامة احتمال موافقة الحزب الحاكم على وجود مراقبة دولية من أى درجة ومن أى نوع، متذرعا بكل الاعتبارات الوطنية والسيادية التى تظهره شديد التمسك بأبعاد «النفوذ الخارجى» عن العملية الانتخابية التى تخص الشعب المصرى وحده. لكنه بالمقابل يخشى أن تكون مؤشرات التزوير والتزييف ــ فى حالة ترشيح الابن ــ من العلامات التى لن تخفى على عيون الملاحظة والمراقبة الداخلية والخارجية.. أى تلك التى ستراقب من الداخل وتلك التى ستراقب من الخارج.

على أن ظهور المجموعة التى أطلقنا عليها وصف نخبة النخبة فى الحزب الحاكم هو بحد ذاته مؤشر خطير على انقسام فى صفوف النخبة الحاكمة. وهذا الانقسام ليس لصالح أى من مرشحى الحزب للرئاسة. إذ إن معناه أن الحزب سيخوض انتخابات مجلس الشعب فى نوفمبر المقبل وكذلك انتخابات الرئاسة فى نوفمبر 2011 (ويخوض الآن انتخابات مجلس الشورى) وهو فى حالة الانقسام. ولا يمكن لأحد أن يتصور أن قيادات الحزب الوطنى ستجد نفسها معفاة، أو أنها ستعفى نفسها قسرا، من أى حديث عن انتخابات الرئاسة وهى تقوم بالعملية الدعائية لمرشحى الحزب فى انتخابات مجلس الشورى ومجلس الشعب.

ألا يعنى هذا الواقع الجديد أن السلطة الحاكمة ستجد نفسها مضطرة لتطبيق قدر أقوى وأشد من إجراءات القمع فى أثناء العملية الديمقراطية.. ممثلة فى انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية؟ أم أن الانقسام بين النخبة الحاكمة ونخبة النخبة سيمتد ليشمل قرارات القمع ضد المعارضة الشعبية والمعارضة السياسية الممثلة فى أحزاب المعارضة وجماعات الحراك السياسى؟ ومعنى هذا أننا سنجد النخبة أو غريمتها نخبة النخبة تنقسمان بين مؤيد لإجراءات قمعية أشد من «المعتاد» ومعارض لهذا.

ويبقى أن نعرف أيهما سيكون أكثر استعدادا لاستخدام القوة فى قمع المعارضة بصورة تتجاوز استخدامها فى السابق وأيهما سيكون أكثر ميلا للاعتقاد بأن الوقوف ضد الإفراط فى القمع قد يفيده فى معركة انتخابات الرئاسة فى 2011.

ليس من السهل أبدا تحديد خصائص سياسية وديمقراطية وأخلاقية لكل من النخبة ونخبة النخبة تدل على الطرف الذى سيكون أكثر ميلا للعنف والآخر الذى سيكون أكثر ميلا للين. ربما لا نجد هاديا إلى هذا التحديد سوى العبارات الغامضة التى تنسب عادة إلى النخبة المؤيدة لترشيح مبارك الابن للرئاسة والتى تصفه وتصف نفسها معه بتعبيرات مثل «الفكر الجديد». وقد نتصور أن مثل هذا التعبير دال على ارتباط أشد بالديمقراطية وأساليب العقلانية فى الاقناع السياسى والاجتماعى. وليس هذا برأى قاطع يمكن الركون اليه، خصوصا إذا لاحظنا أن الفترة الأخيرة التى تميزت بظهور مبارك الابن فى أنشطة احتفالية وافتتاحيات مختلفة أظهرت تأثيرات سلبية على أسلوبه وألفاظه فى الخطب التى اختار توجيهها.

خصوصا فى مجال الدفاع عن الحزب الوطنى ومرشحيه. (كقوله للمرشحين من أعضاء الحزب «ليس على رأسكم بطحة»...تعبيرا عن حقيقة أن الحزب الوطنى يجد نفسه مرة أخرى مع اقتراب الانتخابات فى موقف الدفاع..)

ولعل ما يلفت النظر أكثر أنه فيما كان جمال مبارك هو المتحدث الرئيسى (فى قرية دماص النموذجية) فإن متحدثا آخر عن الحزب وجد من المناسب أن يقول إنه «من غير الممكن أن يضاف إلى برنامج الرئيس لأنه يحتوى على كل شىء». هذا فضلا عما أثاره من لغط تصريح رئيس الوزراء أحمد نظيف قبل ذلك بأيام والذى فيه تمنى أن يكون الرئيس مبارك هو مرشح الحزب الوطنى للانتخابات الرئاسية المقبلة.. مفسرا ذلك بأن الـ«سيستيم» لم يفرز أسماء قادرة على القيادة.

هذه عودة إلى ما قلناه فى البداية عن تراجع فرص مبارك الابن للترشح للرئاسة.. ولكننا لم نكن ندرك إلى أى حد وصلت المنافسة بين مبارك الأب ومبارك الابن، على الرغم من إدراكنا استحالة ترشيح الاثنين معا فى انتخابات الرئاسة المقبلة. انما هى منافسة تنتهى عند حدود حملة الترشيح وعندها يكون: إما هذا وإما ذاك.

لكن...لم لا؟!
هل لأن مشهدا يكشف عن سقوطهما معا يفوق احتمال النخبة ونخبة النخبة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved