رد الاعتبار لوزارة الخارجية

ياسمين فاروق
ياسمين فاروق

آخر تحديث: الأحد 16 يونيو 2013 - 11:51 ص بتوقيت القاهرة

فجأة تذكر الجميع أن يتساءل أين هى وزارة الخارجية حينما تفاقمت أزمة مياه النيل وتمت إذاعة جلسة الحوار الوطنى التى عقدتها رئاسة الجمهورية فى هذا الشأن.

 

إن مجرد التساؤل أو حتى شجب وزارة الخارجية يعد اعترافا بأن تراجع دور الوزارة وتهميشها المستمر منذ عدة سنوات ترك فراغا لم يتم ملؤه بعد. ليس هناك من شك أن وزارة الخارجية أصابها على مدى السنين ما أصاب مؤسسات الدولة الأخرى من اهتراء وتضخم بيروقراطى وتدهور فى الكفاءة بل وفساد.

 

ولا نستطيع أن ننكر أن جزءا لا بأس به من مسئولية تدهور العلاقات المصرية مع أفريقيا يقع على عاتق وزراء الخارجية المتتاليين الذين اعتقدوا أن وزارة الخارجية ما هى إلا جهاز استشارى فى صنع السياسية الخارجية وأن مهمتها الأساسية هى تنفيذ القرارات التى يتخذها رئيس الجمهورية.

 

ولعل آخر معتنقى وممارسى هذه العقيدة هو الوزير أحمد أبو الغيط الذى تولى الوزارة فى الفترة من ٢٠٠٤ إلى ٢٠١١، وأزعم أن الوزير الحالى يتفق معه. بل إن السيد أبو الغيط ينسب تراجع اهتمام وزارة الخارجية بأفريقيا إلى السيد عمرو موسى الذى تولى الخارجية المصرية فى الفترة من ١٩٩١ إلى ٢٠٠١.

 

سواء لم تتم إعادة توجيه الدفة نحو القوى الاقتصادية الأفريقية ودول حوض النيل بسبب قرارات مبارك أو سوء إدارة وزارة الخارجية للملف أو استحواذ المخابرات العامة عليه، فإنه يقع على عاتق الدبلوماسية المصرية أنها تبنت نبرة استعلاء ثم أبوية فى علاقات مصر مع دول الجوار العربى والأفريقى، وكرست فكرة أن ابتعاث الدبلوماسى المصرى إلى أفريقيا عقاب أو دليل عدم الكفاءة.

 

●●●

 

لم أقتنع يوما بأن مسئولية وزارة الخارجية فى مصر تقف عند تنفيذ القرارات التى يأخذها رئيس الجمهورية الذى له أن يحدد هل يستشير وزير الخارجية أم لا. أولا لأهمية المكانة الدولية لمصر لدى الرأى العام ولأن وزارة الخارجية تشارك الرئيس فى تحمل مسئولية تحسن أو تدهور هذه المكانة.

 

ثانيا، لأن وزارة الخارجية المصرية تمتلك ما يجعل تهميشها جريمة ليس من حق وزير الخارجية ولا من حق رئيس الجمهورية ولا مساعديه ارتكابها. ذلك أن إهدار الثروة المؤسسية والبشرية للخارجية المصرية جريمة توازى جريمة إهدار المال العام.

 

وهذه الجريمة تكون متعمدة إذا كانت النخبة السياسية تفتقد للمعرفة والخبرة التى تمتلكها وزارة الخارجية التى تأسست منذ ما يزيد على قرنين من الزمان. فقد أنشئت مؤسسة متخصصة فى إدارة الشئون الخارجية لمصر تحديدا منذ عام ١٨٢٦ تحت اسم ديوان التجارة والأمور الإفرنكية. وكانت واحدة من المهام الرئيسية لهذه المؤسسة صنع سياسة خارجية مستقلة لمصر حتى خلال سنوات الاحتلال أو السيطرة الأجنبية وحتى عندما لم يكن وزير الخارجية مصرى الجنسية قبل عام ١٩٢٣.

 

فلمصر منذ ذلك الوقت مدرسة دبلوماسية ليس فقط على مستوى المؤسسات والفاعلين، ولكن أيضا على مستوى المبادئ والمعايير. وقد ساعد فى تكوين هذه المدرسة منذ بدايتها كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والحقوق والمعهد الدبلوماسى وغيرها من المؤسسات، بالإضافة إلى المجهود المعنوى والمادى الشخصى الذى يبذله الدبلوماسيون للارتقاء بمستواهم الفكرى والمهنى فى سبيل مواكبة أقرانهم على مستوى العالم.

 

كما تمتلك وزارة الخارجية شبكة من أكبر شبكات البعثات الدبلوماسية للدول النامية. وفى هذا الإطار أجد ما كان يحدث مؤخرا على مستوى العلاقات الخارجية لمصر غير واقعى.

 

فهل يعقل أن يحل أعضاء «مؤسسة الرئاسة» وشبكة العلاقات الخارجية للإخوان المسلمين محل الدبلوماسيين الذين ينتشرون فى 21 بعثة فى العالم العربى و٣٥ بعثة فى أفريقيا و٢٣ بعثة فى آسيا و٣٥ بعثة فى أوروبا و١٦ بعثة فى الأمريكتين، بالإضافة إلى واحد وثلاثين مكتبا ومركزا ثقافيا حول العالم؟.

 

كما أنه ليس من المعقول أن يتم إهدار الوقت والمال والصورة العامة كما حدث فى الجلسة التى نظمتها رئاسة الجمهورية بدلا من التركيز فى الاستعانة بكفاءات مؤسسة الخارجية التى خرج منها أول وآخر سكرتير عام عربى للأمم المتحدة وقضاة فى المحاكم الدولية ومحكمون دوليون مع الاستعانة بالمصريين من أعضاء أهم مكاتب المحاماة على مستوى العالم والخبراء والمتخصصين والباحثين ممن هم على أعلى الدرجات العلمية.

 

وكذلك ليس من المشرف أن يتم استثمار أزمة خارجية فى انقاذ الشرعية السياسية الداخلية بدلا من استشارة القامات التى توارثت إدارة العلاقات الخارجية لمصر منذ أن كانت عضوا مؤسسا فى عصبة الأمم ثم فى منظمة الأمم المتحدة وفى جامعة الدول العربية ثم كأول بلد عربى يحصل على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن وكعضو مؤسس فى عدة منظمات وتجمعات إقليمية أخرى.

 

●●●

 

إن العلاقات الدولية للبلاد بشكل عام والأزمات الخارجية بشكل خاص لا يتم اتخاذ قرار فيها بناء على مخرجات المنتديات ولا المؤتمرات القومية ولا الحوارات السياسية. ذلك أن اتخاذ القرار فى السياسة الخارجية لا يصلح فيه التفكير الفردى ولا المجتمعى وإنما التفكير المتخصص. فلنجعل من إدارة الأزمة مع إثيوبيا نموذجا لتمكين مؤسسة الخارجية فى إطار مجلس الأمن القومى وفقا للمادة 193 من الدستور.

 

ولنجعل من تمكين وزارة الخارجية نموذجا لتمكين الكوادر الشابة التى تمتلك العلم والخبرة العملية والتى بدلا من أن تثرى السياسة المصرية، أضحت تثرى السجل المصرى فى هجرة العقول.

 

 

 

مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved