مشاعر إنسانية فى ثقافة لا إنسانية
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 16 أغسطس 2014 - 10:40 ص
بتوقيت القاهرة
ثقافات الشعوب تحدد أسلوب التعبير عن المشاعر الإنسانية. فما نراه فى مجتمعاتنا العربية هو «عيب» أو «حرام».. تراه شعوب أخرى محبة وعشقا وهياما.
فما نراه نحن العرب حينما نسافر إلى الدول الغربية، وأن نخجل من رؤية شخصين يعانقان بعضهما فى الشارع، وننتقد من يقوم بتقبيل زوجته أو حبيبته على مرأى الناس.. هذه التصرفات فى ثقافتنا يجب ألا تتجاوز حدود جدران غرفة النوم، بينما فى ثقافتهم هى تعبير أمام البشر - كل البشر - عن الحب. لذا نرى الخلل الكبير فى العلاقات الزوجية لدينا، التى إن استمرت فهى تبقى لأجل العشرة والأبناء والخوف من كلام الناس، بينما فى الغرب لا تبقى إلا لأجل الحب فقط.
أذكر وأنا صغيرة، لم أتجاوز سبع سنوات من عمرى، كان لدى أحد جيراننا فى حى الملز ثلاثة أو أربعة أبناء متزوجين غربيات. كنت أتأمل عناقهم لبعضهم أمام أسرتهم وأستغرب، مع أننى كنت أسافر كثيرا إلى الخارج، وأشاهد مثل هذه المشاهد، إلا أن الوضع مختلف، لأنه يحدث فى الرياض، فقد تعودنا نحن السعوديين أن الخارج غير الداخل.
هذه الفرص التى عشتها منذ الطفولة منحتنى مساحة كبيرة فى تأمل العلاقات الإنسانية. وقبل أن أغادر هذه الفقرة أؤكد لكم أننى لم أبلغ والدتى بأن أبناء الجيران يعانقون زوجاتهم الأوروبيات أمام أهاليهم خوفا من أن تمنعنى من الذهاب إليهم فأحرم من هذه المشاهد! الكبت العاطفى الشديد الذى نعيشه أوجد خللا كبيرا لدينا فى التعبير عن مشاعرنا، ليس على مستوى العلاقات الزوجية فحسب، بل على مستوى العلاقات الإنسانية بشكل عام، العلاقات فى العمل، بين الزملاء، بين الأصدقاء، بين الأقارب.. صارت مشاعرنا بلا هوية، لا نعرف من يحبنا ومن يكرهنا، الكل يجامل الآخر، ويكذب على الآخر.. نحب ولا نعرف كيف نعبر عن مشاعر المحبة، ونكره ولا نعرف كيف نعبر من مشاعر عدم القبول أو النفور. مزيج غريب لمشاعرنا، أفقدنا شكل وهوية المشاعر الإنسانية الطبيعية.
حتى فى حالة تواصل أى شخص معنا، وأظهر مشاعر التودد أو الإعجاب، بات هذا الأمر ينحنى بتفكيرنا إلى أنه إما صاحب مصلحة، أو طالب «غرض»، أو أنه شخص غير سوى. هذا كله لأن المشاعر الإنسانية أخذت وتشربت من ثقافة لا إنسانية، وبيئة حاضنة للمشاعر السلبية أكثر من الإيجابية، إضافة إلى النفاق والقدرة على عدم إظهار الحالة الطبيعية لما يحس به الإنسان. المشاعر هى الحياة، شكلها وتكوينها هما ما يقرر حياة كل إنسان ونهجه وسلوكه ومزاجه، وتعامله مع الآخرين. نحن فقدنا جزءا كبيرا منها، نشتم ليل نهار فى الغرب، ولا نتعلم منهم أسس المشاعر الإنسانية، فهناك لا يمكن لشخص أن يظهر لك عكس ما يبطنه إلا إن كان مصابا بأحد الأمراض النفسية. أيضا من يحب امرأته يدرك ألا وقت محددا للحب، فهى مشاعر تظهر فى أى وقت وأى مكان، لأنه شىء جميل لا سلوك معيب.