«أفران صهر» المحتجزين فى مصر
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
الأحد 16 أغسطس 2015 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
«شبرين وقبضة»، لا تطمع فى مساحة أكبر من تلك لو قادك حظك العثر وتم احتجازك فى أى قسم شرطة لأى سبب.. إن كنت من سكان الأقاليم فعليك أن تحمد الله، فاحتمالية خروجك من الحجز على قدميك واردة، أما لو كنت من سكان العاصمة فعليك أن تكتب وصيتك وأنت فى الطريق إلى القسم، لأنه لن يخصص لك إلا «شبر ونص» ــ أقل من 50 سم، نظرا للتكدس الشديد الذى تشهده «حجوزات» أقسام القاهرة.
النوم فى الحجز، يتم وفقا لورديات تراعى الاقدمية، وبما أنك مستجد فوردية نومك ستكون بالنهار.. لك أن تتخيل إمكانية النوم فى غرفة يتنفس فيها عشرات النزلاء وينفسون دخان سجائرهم، ويقضون حاجتهم بدورة مياه فى أحد جنباتها.
شهر أغسطس يحول تلك الغرف التى تخلو من أى وسيلة تهوية، اللهم فتحة لا تتجاوز الـ 70 سم إلى أفران لا يحتمل لهيبها بشر، وبالطبع لا يمر هذا الشهر من كل عام دون سقوط ضحايا من المحتجزين.
فى أقل من عشرة أيام توفى نحو 11 محتجزا بأقسام الإسكندرية وشبرا وجرجا وكوم أمبو، أسباب الوفاة المعلنة تنوعت لكن التقارير الطبية أثبتت أن معظم المتوفين ارتفعت درجة حرارتهم بسبب سخونة الجو وسوء التهوية، فضلا عن أن بعضهم مصاب بأمراض مزمنة كالقلب والسكر والضغط.
فى مايو الماضى حذر المجلس القومى لحقوق الانسان فى تقريره من «التكدسات المخيفة من المتهمين فى الأقسام»، والتى تصل إلى نحو 300% وفقا للتقرير. أعضاء المجلس لاحظوا خلال الزيارات التى أجروها إلى بعض أقسام ومراكز الشرطة بالقاهرة أن أعداد المحتجزين لا تتناسب على الإطلاق مع مساحة عنابر الاحتجاز، وعلى سبيل المثال فإن نصيب المحبوس الواحد داخل قسم شرطة العجوزة كان أقل من نصف متر مربع، وفقا لما أورده تقرير المجلس الذى تسلمت وزارة الداخلية نسخة منه نهاية مايو الماضى.
بعدها بأيام أمر النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، بالتحقيق فى المخالفات التى رصدتها جولات التفتيش المفاجئة لأعضاء النيابة العامة على عدد من أقسام الشرطة خلال شهر أبريل، وكلف وزارة الداخلية بـ«تلافى تلك المخالفات وإخطاره بإجراءاتها فى هذا الشأن».
التقارير التى رفعت إلى النائب العام الراحل رصدت مخالفات بالجملة داخل أقسام الشرطة، أبرزها عدم توافر التهوية والإضاءة الكافية بغرف الحجز، وأجمعت على أن كثافة عدد المتهمين لا يتناسب مع مساحة الغرف، وهو ما يعرض حياة المحتجزين للخطر.
بعد صدور تقريرى المجلس القومى لحقوق الأنسان، والنيابة العامة افتتحت وزارة الداخلية سجنا جديدا بمدينة 15 مايو، ووعدت ببناء سجنين جديدين فى منطقتى السلام والنهضة لاستيعاب زيادة أعداد المساجين بأقسام الشرطة، وشددت على أنها ستعيد النظر فى اوضاع الحجوزات وستزودها بـ«مكيفات وشفاطات ومراوح ومبردات مياه»، حفاظا على حياة المحتجزين قبل دخول فصل الصيف.
مات هشام بركات، ودفن معه تقرير مخالفات الأقسام، ولا نعلم إلى أين انتهى التحقيق الذى بدأه النائب العام الراحل، ولحقه تقرير المجلس القومى لحقوق الانسان عن ذات القضية، وبقيت أحوال حجوزات الأقسام غير الآدمية كما هى.
مسلسل سقوط ضحايا «أفران الصهر» لن ينتهى إلا باستكمال النيابة العامة «محامى الشعب» ما بدأته فى أبريل، بتشديد الرقابة على الاقسام، وإحالة كل من يستهتر بالحق فى الحياة إلى المحاكمة العاجلة، وأن يستجيب أعضاؤها إلى مناشدات المجلس القومى لحقوق الإنسان بتقليص قرارات الحبس الاحتياطى واستبدالها بالضمانات الشخصية والمالية فى الجرائم البسيطة.
محمد سعد عبدالحفيظ
saadlib75@gmail.com