بدائل الكلام
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 16 أغسطس 2016 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
بحسابات مالية بحتة لابد من اتخاذ قرارات مؤلمة فى الاقتصاد تأخرت كثيرا، بسبب عدم وجود رؤية متكاملة، وغياب الإرادة السياسية، والخوف من مواجهة الناس. هذا صحيح، وخبرات الدول فى مجال الإصلاح الاقتصادى كثيرة فى هذا الشأن، ولكن هذه نصف الحقيقة، والنصف الآخر يقبع فى مربع السياسة وليس الاقتصاد.
الإصلاح الاقتصادى يلزمه حزمة اشتراطات سياسية، منها أن يكون هناك توافق سياسى عام حوله، سواء من القوى السياسية، أو النخب الثقافية، وتفهم من قطاعات واسعة من المجتمع، يعرفون أن أشواك المرحلة الصعبة يعقبها ثمار سوف يتمتعون بها. هذه ليست مسألة سهلة، خاصة فى ضوء غياب الشفافية، والرغبة الحكومية المتوارثة فى تسويق الأوهام، وغياب المصارحة بالحقائق، وفقدان الناس الثقة فيما يسمعون، ولاسيما أنهم يرون واقعا مغايرا. من هذه الاشتراطات الأخذ بمبادئ الحكم الرشيد المتعارف عليها: الشفافية، المساءلة الجادة، حكم القانون، ومحاربة الفساد. هنا ينبغى أن ندرك أن الفساد الكبير يستنزف المقدرات الاقتصادية العامة، لكن المواطن العادى، ولاسيما الفقراء، يعانون أكثر من «الفساد الصغير» المتمثل فى الرشاوى اليومية التى تدفع لقضاء المصالح فى أروقة ودهاليز الأجهزة الحكومية مما يتسبب فى ارتفاع تكلفة الحصول على الخدمة التى قد تقررها الحكومة نفسها بسعر مناسب. ومن الطبيعى أن يؤدى شعور المواطن بالعوز إلى الإحباط، وعدم الرغبة فى المشاركة، وانخفاض منسوب الشرعية. إعادة ترتيب وهيكلة دولاب الدولة مسألة أساسية إذا أردنا أن نحقق إصلاحا اقتصاديا جادا، لأن الأعباء «غير المنظورة» التى تقع على كاهل المواطن تعادل إن لم تفق الأعباء المنظورة. مثلا طالب فى التعليم الحكومى يتلقى الخدمة بسعر مناسب من الدولة، لكنه ينفق اضعاف ذلك على الدروس الخصوصية نظرا لانخفاض جودة التعليم، وأحيانا عدم انتظامه، إلى حد أن طلاب وطالبات الثانوية العامة لا يذهبون أصلا إلى المدرسة.
المواطن حائر، ويشعر أن المستقبل غائم. هناك من يتحدثون عن «بديل» للحكم، لكنهم لا يعرضون سياسات بديلة أو أفكارا مغايرة، وكأن المسألة تغيير أشخاص. ولم نرَ سياسات جديدة تٌطرح خلافا لما هو قائم، ويظل السؤال هل هناك مقاربة للواقع الاقتصادى يمكن أن تختلف عن المقاربة الحالية؟ وما مردودها؟. المسألة لم تخرج حتى الآن من دائرة الحديث فى السياسة الذى أتخم الأذهان خلال السنوات الماضية، ومرت علينا بدائل متعددة، من حكم مبارك، ثم المجلس العسكرى، ثم حكم مرسى ثم 30 يونيو وما بعدها، الكل يتحدث عن بدائل فى فضاء السياسة دون أن يقدم رؤية مغايرة للاقتصاد الذى يظل بمنأى عن الاقتراب الجاد، وكأن ترك المشكلات بلا حلول هو أفضل سبيل لحلها، أو التخلص من مشكلات الواقع بترحيلها إلى المستقبل هو الاختيار الأمثل.
بالطبع هناك ملاحظات على المسار الاقتصادى الراهن، سواء فيما يتعلق بالمشروعات الكبرى، أو ميل السياسات الاقتصادية حتى الآن لصف الأغنياء، أو عدم وجود رؤية شاملة للإصلاح، ناهيك عن غياب البيئة السياسية الملائمة له، ولكن كل ذلك لا يعنى أن هناك بدائل سياسات مغايرة، أو أن من يتحدثون عن البديل لديهم رؤية مختلفة يمكن طرحها للنقاش بعيدا عن شعارات السياسة الفضفاضة.