برنامج الصندوق وتعدد مصادر ارتفاع الأسعار

صفوت قابل
صفوت قابل

آخر تحديث: الثلاثاء 16 أغسطس 2016 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

مع الإعلان عن الاتفاق المبدئى بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى، لحصول مصر على قرض 12 مليار دولار، علينا أن نجرب ولو لمرة أن نكون موضوعيين فى الحكم على مثل هذه القرارات، فمهما كانت حاجة الحكومة لهذا القرض فلا يمكن اعتبار الاقتراض إنجازا، كما أن أسطوانة الحكومة المكررة أن البرنامج الذى وضعته للحصول على موافقة الصندوق على القرض من اجتهاد الحكومة دون إملاء من الصندوق «هذا القول» فيه استهانة بعقول المصريين؛ فالكل يدرك أن الحكومة قد وضعت السياسات التى تعرف أن القرض لن تحصل عليه بدونها، والأكثر أهمية الآن ليس ضرورة القرض بل كيفية تنفيذ السياسات التى وافقت عليها الحكومة ومن سيدفع الثمن.

وكما هى العادة أعلنت الحكومة عن الاتفاق وأهدافه دون تفصيل لمكوناته، ومن الإطار العام للاتفاق نجد أن هناك العديد من السياسات التى ستؤدى إلى المزيد من ارتفاع الأسعار، وليس كما قال محافظ البنك المركزى فى المؤتمر الصحفى عن الاتفاق، إن الأسعار قد ارتفعت فعلا وبالتالى نفهم من ذلك أن هذه هى النهاية فى زيادات الأسعار، وفى اعتقادى أننا سنعانى من انتشار وباء زيادة الأسعار فى جسد الاقتصاد المصرى المنهك فى الفترة القادمة، ودليلى على ذلك ما يلى:

1ــ وفقا لبيان صندوق النقد تهدف السياسة النقدية والصرف التى ينتهجها البنك المركزى، إلى رفع كفاءة أداء سوق النقد الأجنبى، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، والقول بسعر صرف مرن سيؤدى إلى المزيد من خفض لقيمة الجنيه، وما سيؤدى إليه ذلك من زيادة أسعار الواردات وهى تمثل نسبة كبيرة من الاستهلاك المباشر للمواطنين أو كمستلزمات إنتاج للعديد من الصناعات، مما سيخلق موجة كبيرة من زيادات الأسعار.

2ــ ستؤدى ضريبة القيمة المضافة إلى زيادة الأسعار بأكثر بكثير مما تقول به الحكومة، وهو أن الزيادة فى حدود 2% ولمرة واحدة، فكل التجارب السابقة وآخرها زيادة مواد الوقود فى 2014 كانت الزيادات الفعلية بأكثر مما توقعته الحكومة.

***

3ــ هناك زيادات فى أسعار الكهرباء التى أعلنت الحكومة تطبيقها بأثر رجعى من يوليو، وبينما تتغنى الحكومة أن زيادة فاتورة شريحة الاستهلاك حتى 50 كيلووات لن تتعدى 1,5 جنيه وهو مبلغ زهيد، بينما ستستمر الحكومة فى دعم الكهرباء، فوفقا لتصريحات وزير الكهرباء، أن الدولة تدعم محدودى الدخل من مستهلكى الكهرباء الذين لا يزيد استهلاكهم عن 50 كيلووات بنسبة 420% من قيمة فاتورة الاستهلاك، وبالنسبة لمتوسطى الدخل الذين يصل استهلاكهم إلى 100 كيلووات سيكون الدعم بنسبة 310%، ومن يصل استخدامهم 200 كيلو بنسبة 180%، ومن يصل استخدامه إلى 300 كيلووات تدعمه الدولة بنسبة 120%، كما أعلن الوزير عن وصول تكلفة انتاج الكيلووات من الكهرباء إلى ٦٣ قرشا بعد أن كانت فى العام الماضى ٤٨ قرشا.

وهكذا نجد أن الحكومة لا تريد الاعتراف بما تحمله للمستهلك من زيادات بل تسير على نفس السياسة أنها ما زالت تدعم الكهرباء وأنها هى التى تتحمل دلع المواطنين واستهلاكهم الذى لا يريدون أن يدفعوا مقابله، بينما الحقيقة أننا لا نعرف كيف يتم حساب التكلفة وفى اعتقادى أن هذه التكلفة محملة بتكاليف مغالى فيها من مرتبات ومكافآت كبيرة يدفعها المستهلك ضمن فاتورة استهلاكه، فمن المعروف أن وزارة الكهرباء مثلها مثل وزارة البترول هى مرتع لتعيين أصحاب النفوذ وأبنائهم بمرتبات مرتفعة بخلاف مكافآت المستشارين، وبالتالى لابد من معرفة نسبة المكافآت إلى تكلفة الإنتاج، وعندها ستعرف الحكومة أننا نحن المواطنون الذين ندعم الكبار ومكافآتهم.

4ــ ورغم زيادة أسعار المحاسبة على استهلاك المياه فى المنازل من 23 قرشا للمتر المكعب إلى 30 قرشا للمتر المكعب، إلا أن الحكومة لا تريد أن تعترف بأنها تُحمّل المواطن أعباء إضافية، بل تحاول أن تقول للمواطن أشكر الحكومة لأنها لا تطلب منك التكلفة التى تراها لما تستهلك، ففى تصريحات لوزير الإسكان أن تكلفة المتر المكعب من مياه الشرب 160 قرشا، وأن شركات المياه تخسر 4 مليارات جنيه سنويا بسبب التعريفة، وبالطبع ففى ظل الظروف التى تمر بها البلاد لابد أن يتحمل المواطن تكلفة استهلاكه، مما يضطر الحكومة إلى زيادة أخرى فى سعر المياه.

***

5ــ كذلك جاء فى بيان صندوق النقد أن الحكومة ستستمر فى تنفيذ البرنامج الذى بدأته فى 2014 لترشيد دعم الطاقة، وهو ما يعنى زيادة متوقعة فى أسعار مواد الوقود، وهو ما سيؤدى بالتبعية إلى المزيد من زيادات الأسعار لكل السلع.

6ــ وهناك التمهيد لزيادة أسعار الخدمات ومنها زيادة سعر تذكرة المترو والتى بدأت بالحديث عن أن الأسعار العالمية تزيد عن المحلية 800%، وبالتالى فعلى المواطن «أن يضع فى عينيه حصوة ملح» ويتقبل الزيادة فى أسعار التذاكر، كذلك بدأ المسئولون فى التمهيد لزيادة ما يدفعه المواطن جبرا رسوما للنظافة، بينما لا يستفيد مما يدفعه. ففى تصريحات لرئيس الهيئة العامة للنظافة أن قانون النظافة ينص على أن رسوم المنازل تتراوح ما بين جنيه وعشرة جنيهات، ولذلك قد يتم رفع رسوم النظافة تطبيقا للقانون، وهكذا سندفع نحن المواطنون المقهورون رسوما أعلى، بينما القمامة تخنقنا ولا أحد يعرف من أصحاب هذه الشركات التى يحصلون الملايين من أجلها ولا تفعل الحد الأدنى لرفع القمامة وبدلا من محاسبتها يعاقبون المواطنين بزيادة ما يدفعونه مقابل المزيد من القذارة وليس النظافة.

7ــ وبالطبع فمع هذا المهرجان الحكومى لزيادة الأسعار لابد للقطاع الخاص المشاركة فى امتصاص دخل المواطن لآخر قرش، لذلك ستجد الحرفيين قد قاموا بزيادة أتعابهم بداية من السباك إلى الطبيب إلى المدرس للدروس الخصوصية.

***

علينا مواجهة الواقع وأننا مقبلون على مرحلة قاصمة للمواطنين، حيث يتحول الفقراء إلى متسولين، وتتحول الطبقة الوسطى إلى فقراء، بينما تنعم الطبقة المحظوظة بثمار الإصلاح الذى يقولون إنه اقتصادى ويدعون الفقراء إلى الصبر، وأنهم سيدعمونهم بالمزيد من برامج الدعم التى ستصل للمستحقين فقط عن طريق زيادة برنامج كرامة وتكافل إلى مليون جنيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved