التعصب للمذهب أساس تفجير الأوطان
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 16 أغسطس 2017 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الجزيرة السعودية مقالا للكاتب محمد آل شيخ يتناول فيه ظاهرة التعصب للمذهب وما تؤدى إليه من تدمير للأوطان من خلال الإشارة إلى التجارب المريرة للدول العربية حيث جاء فيه:
علمتنا التجارب، خاصة التجارب القريبة، وبالذات بعد أن تشكلت الدولة الوطنية المعاصرة الحديثة، أن أغلى ما تملكه المجتمعات لتبقى وتعيش فى أمن واستقرار وطمأنينة، هو التعايش السلمى، واللحمة بين مواطنيها؛ وحينما تنفرط هذه اللحمة، ويدب بين أفرادها الخلاف والشقاق والتباغض والكراهية، ويصبح الانتماء للمذهب مقدم على الانتماء للوطن، تكون هذه الأوطان معرضة للتشتت والتشظى وربما التقسيم، ونشوب الحروب الأهلية الدموية، التى تطحن أول ما تطحن الشعوب.
ما يجرى فى سوريا والعراق الآن هو شكل من أشكال التطاحن الطائفى والمذهبى بامتياز، وهو أيضا مثال حى على تأخر الانتماء للوطن، وتقدم التعصب للطائفة أو المذهب. ولأن الإنسان العربى لم يستوعب بعد ماذا يعنى التفريط فى التعايش بين مواطنى المجتمع الواحد، حتى وإن اختلفوا فى الطائفة أو المذهب، تعيش العراق وسوريا وكذلك اليمن هذا التطاحن والتقاتل الذى خلق فى تلك الدول هذه الحروب الدموية التى لا تنتهى إلا وتبدأ ثانية، ولا أرى لها ــللأسفــ نهاية قريبة.
فى أوروبا، وفى الحقبة التى تسمى فى تاريخهم (القرون الوسطى)، كان التطاحن الطائفى والمذهبى هو السبب الأول الذى حصد الملايين آنذاك، هؤلاء يحاولون فرض المذهب الكاثوليكى بقوة السلاح، وأولئك يصرون على فرض المذهب البروتستانتى بنفس المنطق، وبعد عقود من الحروب والتقاتل بين أفراد مجتمعاتهم نتيجة التعصب للمذهب أو الطائفة، توصلوا إلى أن التعايش بين الأفراد وإن اختلفت مذاهبهم هو الحل، وإلا فلن ينتهى التطاحن بينهم، ونتيجة لهذه القناعة رسخوا ما أوصلتهم تجاربهم هذه إليه، بأن قننوا تجريم التقاذف والتنابز الطائفى، واعتبروا كل من يقترف مثل هذه الممارسات مدان بحكم القانون، تطبق عليه عقوبة رادعة، وبذلك بذروا بذور الانطلاقة الحضارية المتفوقة، التى ينعم العالم اليوم فى نعيمها ومخترعاتها فى كل المجالات الحياتية.
ولا يمكن إطلاقا، وأكرر إطلاقا، أن نقيم أمنا واستقرارا وطمأنينة إلا إذا استفدنا من تجاربهم، وتخلصنا من التعصب للطائفة والمذهب، واستبدلنا التعصب للمذهب بالتعصب للوطن بكل مواطنيه أيا كانت طوائفهم أو مذاهبهم.
إيران فى غزوها لدول الجوار الإيرانى، جعلت من المذهبية بمثابة الجذوة التى تشعل بها تعصب المجتمعات، مستهدفة استقرارها وأمنها، ومستغلة المتعصبين الشيعة ليكونوا أذنابا لها لتحقيق طموحاتها التوسعية، ومن الثابت تاريخيا أن المجتمعات العربية قبل ثورة الخمينى فى إيران كان أفرادها متعايشين بسلام يعيشون فى مجتمعاتهم بأمن واستقرار، وما إن قامت هذه الثورة الكهنوتية، القادمة من تلافيف التاريخ، حتى بدأ التطاحن المذهبى بين أبناء المجتمع الواحد فى البلدان العربية والإسلامية، وها هى سوريا والعراق واليمن وما يجرى فيها من نزاعات طائفية، تثبت صحة ما أقول.
المهم بالنسبة لنا فى الخليج أن نتعظ بما حصل فى دول الشمال العربى، وننأى بدولنا عن الانزلاق فى هذه المنزلقات التى ستؤدى بنا إذا لم نتنبه لها إلى كارثة لن تبقى ولن تذر، وسيكون الخاسرون فيها جميع المواطنين، بجميع مذاهبهم.
الجزيرة ــ السعودية