لبنان ليس دولة بل مصنعا للفرح

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 16 أغسطس 2024 - 6:00 م بتوقيت القاهرة

 ماذا نعنى بدولة قوية؟ الكيان الصهيونى مثلا أجرى تجهيزات مهمة استعدادا للضربة، حصن الجبهة الداخلية.. وقام بتزويد جميع الوزراء وقادة الجيش بهواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية. قام أيضا بفتح الملاجئ، وإيجاد بدائل للوقود فى حال ضربت الخزانات.. وفر كميات هائلة من الدواء، وأجرى اتصالات مع الغرب من أجل توفير الدعم العسكرى، ناهيك عن قيامه بعمل خط ساخن مع قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية.. لأجل توفير الدعم العسكرى فى حال كانت الضربة قوية.

لبنان ماذا فعل؟.. أنا أتابع المحطات اللبنانية، وأتابع الأخبار.. لبنان ليس مهتما كثيرا بالوقود، والجبهة الداخلية لديه محصنة تماما.. فالجميع هنالك يحبون بعضهم.. إليسا أنتجت فيلما على (نتفلكس) عن حياتها الشخصية، وهذا الفيلم لقى رواجا فى الساحة.. ويشهد جدلا فى أحاديث الناس. المطاعم لديه أيضا أنتجت عروضا خاصة مثلا أحد المطاعم فى بيروت قدم عرضا (15) دولارا تستطيع تناول ما تشاء من الأكل البحرى الطازج وشرب ما تشاء، ولهذا قرر إلياس اصطحاب زوجته اليوم وحماته وشقيقة زوجته.. وجارتهم (أم حسين) إلى المطعم.. وائل كفورى أقام حفلا صاخبا والتذاكر نفذت بعد ساعة واحدة..

سؤال ما سر لبنان؟.. لبنان وطن غريب جدا، فى الحرب الناس فيه تتعاطى مع الصواريخ على أنها مفرقعات. وتخرج للشوارع ولا تسأل.. فى انهيار البنوك ونفاد العملة الصعبة، يصر جورج على الذهاب إلى الشاطئ ودعوة الأصدقاء ويعطيك نظرية مهمة فى الاقتصاد تقول: (يا خى بفرجها ربك)... الجنوب يقصف كل يوم وتدمر فيه البيوت وتهدم، ومع ذلك لم أشاهد لبنانيا واحدا يظهر على شاشة التلفاز ويتذمر.. لم أشاهد لبنانيا واحدا يحمل (عفشه) ويغادر.. المهم أن المخزون القومى اللبنانى من الحب ما زال مطمئنا.

هل لبنان دولة حقيقية أم مصنع فرح؟، أنا لا أعرف سر هذا البلد وسر هذه القوة وهذا الجبروت.. لكن ما أعرفه أن طيران الشرق الأوسط ما زال يعمل والمضيفات الجميلات ما زلن يبتسمن عند إقلاع الطائرة.. ما زال العشاق يتقابلون فى (الروشة)، وليس مهما ما يحدث المهم أن العشق هنالك ينبت مثل الشجر.. وأغانى فيروز ليست بالأغانى أبدا، من قال إن فيروز كانت تغنى لا يعرف لبنان.. فيروز كانت تزرع الأرز فى قلوب الناس، وتسقى البحر من ألحان الرحابنة.. هم الوحيدون الذين عطش البحر لديهم فسقوه من أغانى فيروز.

وليس مهما لديهم إن نفد الطحين من الأسواق، المهم أن لا ينفد الفرح من عيون عبود والأكثر أهمية من ذلك أن (أم إلياس) قادرة على إطعام الحارة كلها، فلديها مخزون من (الكبة) يكفى الجميع.

هذا الشعب العظيم يتعاطى مع الحرب على أنها (مزحة)، ويتعاطى مع الشهداء على أنهم حالة طبيعية. فالنزف صار قدرا على اللبنانيين، ويدفعون دمهم لأجل فلسطين والعروبة والدين ولأجل أن تبقى بيروت عزيزة برضى كامل، لا يمنون على أحد ولا يطلبون إشادة من أحد.

لا تسجلوا لبنان فى الأمم المتحدة، على أنها دولة بل سجلوها على أنها أكبر مصنع فى العالم للفرح والسكر، وإياكم أن تكتبوا على جواز السفر خانة تقول: الجنسية لبنانية.. بل اكتبوا الجنسية: عاشق يختصر التاريخ والحكايا ويختصر العروبة. وتذكروا دوما أن (البكلة) التى تضعها بنات الأشرفية على جدائلهن فى الصباح لحظة خروجهن للعمل، أقوى من مقلاع داوود، وأقوى من القبة الحديدية.. على الأقل هذه (البكلة) تضم الشعر الذى اغتسل بكلمات جبران.. وقصائد سعيد عقل.. تضم خصلات الشعر التى خلدها عازار حبيب، وغنى لها نصرى شمس الدين.

أضحك حين أقرأ فى الأخبار تصريحات لنتنياهو يقول فيها: أن بيروت ستدمر فى حالة ضرب تل أبيب. هذا الرجل لا يعرف لبنان أبدا.. لا يعرف أنهم الشعب الوحيد الذى جعل بحر بيروت يعطش، فسقوه من صوت فيروز وارتوى.

أنا ذاهب لبيروت غدا.. أريد من (الروشة) أن تداوى عثرات روحى وتعب قلبى المعنى.

عاشت بيروت.. وليعطش البحر.. لبنان سيبقى هو الأقوى.

عبد الهادى راجى المجالى

جريدة الرأى الأردنية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved