التكنولوجيا طريق الفوز في المنافسات الرياضية

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الجمعة 16 أغسطس 2024 - 6:00 م بتوقيت القاهرة

 أداء اللاعبين فى تطور مستمر:

انتهت منذ أيام دورة الألعاب الأولمبية فى باريس بكل ما لها وما عليها وبكل ما فيها من أفراح وأحزان. كل لاعب يطمح فى التفوق على أقرانه والفوز بميدالية يرفع به شأن وطنه لأن التفوق الرياضى يعتبر من وسائل القوة الناعمة. إذا نظرنا إلى الأرقام التى يحققها اللاعبون فى الألعاب المختلفة منذ بدء الألعاب الأولمبية وبطولات العالم لوجدنا أن الأرقام تتحسن وبصورة كبيرة، كثير من الأرقام التى حاز عليها الفائزون بالميدالية الذهبية فى أولمبياد سنة 1904 مثلاً أصبحت فى متناول التلاميذ فى بطولات المدارس فى أيامنا هذه. كيف حدث هذا؟

هناك عدة أسباب لهذا التفوق المستمر:

  • عندما يكون أمامك حاجز فأنت تركز على عبوره وتضع هذا الهدف نصب عينيك، هذا العامل النفسى دافع قوى لتحسين الأرقام. لاعب المائة متر عدو مثلاً يضع أمامه كسر الرقم السابق. يجب أن نعترف أيضًا أننا ما زلنا لا نعرف على وجه الدقة قدرات الجسم البشرى.

  • التقدم الكبير فى الملاعب والملابس الرياضية يساعد على تحسين الأداء، إذا أخذنا العدو كمثال فإن الأرض الآن أصبحت مصممة بطريقة تسهل العدو وكذلك الأحذية الرياضية. الملابس الرياضية وخامتها تساعد أيضًا على تحقيق أرقام أفضل عن طريق تقليل مقاومة المياه فى الرياضات المائية، وهذا نراه جليًا فى التغيير فى ملابس السباحين على مر السنين، وقس على ذلك فى كل الرياضات.

  • التقدم الكبير فى الطب الرياضى وعلوم التغذية أدى إلى تقدم كبير فى سرعة وقوة تحمل والقوة البدنية للرياضيين.

  • التوسع الكبير فى استخدام إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعى أدى إلى تقدم كبير جدًا فى وسائل التدريب.

هذه النقطة الأخيرة هى محور حديثنا اليوم. لكن قبل أن نتحدث عن التكنولوجيا من المهم أن نناقش فكرة التدريب الموجه (deliberate practice).

...

التدريب الموجه:

فى سنة 2008 نشر الكاتب الكندى ذائع الصيت ملكوم جلادويل (Malcolm Gladwell) كتابًا بعنوان (Outliers: The Story of Success) أو «المتميزون: قصص النجاح». الكتاب ليس من كتب التنمية الذاتية لكنه يحاول أن يدرس القصص وراء المتميزين جدًا فى تخصصات مثل الرياضيات والشطرنج والألعاب الرياضية. يمكنك أن تلعب رياضة مثل التنس عشر ساعات فى اليوم لكنك لن تصبح بطلاً حتى وإن كنت موهوبًا، لماذا؟ الفكرة هنا ليست فى اللعب، ولكن فى التدريب الموجه. أى نشاط مثل كل الألعاب الرياضية يمكن تقسيمه إلى مجموعة من المهارات، رياضة التنس مثلاً تحتاج مهارة الضربة الأولى (السيرف) ومهارة اللعب من على الشبكة ومهارة التحرك فى الملعب… إلخ. كل مهارة منهم تحتاج إلى تدريب لوقت طويل وأثناء التدريب يحصل اللاعب على ملاحظات حول الأخطاء وطرق التحسين، ثم يعيد التدريب مرة أخرى، وهكذا. عندما تلعب التنس عشر ساعات فى اليوم فأنت تستمتع بذلك بافتراض أنك تحب تلك اللعبة، لكن أن تقضى كل تلك الساعات فى لعب الضربة البداية فقط، ثم تستمع للنصائح، ثم تلعبها مرة أخرى فهذا شىء ممل جدًا لا يطيقه الكثيرون، لذلك فالمتميزون قليلون. النقطة المهمة فى تلك القصة هى الحصول على نصائح دقيقة، فى الماضى كان المدرب وحده من يقوم بذلك، لكن المدرب فى النهاية بشر قد يمل وقد يتعب وقد لا يكون دقيقًا بما يكفى، لكنه فى الوقت ذاته يمتلك اللمسة الإنسانية والقدرة على التحفيز والتخطيط، لذلك نحتاج عوامل مساعدة للمدربين كى يقوموا بعملهم على أكمل وجه، هذه العوامل هى التكنولوجيا.

...

الذكاء الاصطناعى فى مجال الرياضة:

طبعًا أشهر تكنولوجيا فى عصرنا الحاضر هى الذكاء الاصطناعى بقدرته على التعرف على الأنماط والتنبؤ بالمستقبل عن طريق تحليل المعلومات المتوافرة. ماذا يستطيع الذكاء الاصطناعى عمله فى مجال الرياضة؟ الإجابة تحتاج لمقالات عديدة، ولكن هنا سنكتفى ببعض الأمثلة للدلالة على أهمية استخدام الذكاء الاصطناعى فى المجال الرياضى:

  • الذكاء الاصطناعى يمكنه تحليل المباريات فى أية لعبة رياضة، وتحليل المباراة ليس معناه فقط توضيح الأخطاء لكن أيضًا تحليل أداء اللاعبين وبيان إذا كان اللاعب قد بذل أقصى جهد، وإذا كانت الخطة الموضوعة هى أفضل خطة أم هناك ما هو أفضل.

  • الذكاء الاصطناعى يمكنه أيضًا تحليل كفاءة الحكام وما إذا كانوا أخطأوا فى بعض قراراتهم.

  • الذكاء الاصطناعى يمكنه استكشاف المواهب عند تحليل مبارياتهم فى مراكز الشباب أو الأندية أو حتى فى الشارع.

  • المساعدة فى التدريب من أهم نقاط قوة برمجيات الذكاء الاصطناعى، يستطيع إعطاء اللاعب (أو المدرب) تحليلا دقيقا لأدائه الحركى والأخطاء التى وقع فيها ودرجة اللياقة البدنية التى كان يلعب بها... إلخ.

  • عن طريق تحليل أداء اللاعب يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعى التنبؤ بقرب وقع إصابات للاعب، وبالتالى يستطيع المدرب تقليل الضغط على اللاعب أو البدء بتدخل طبى قبل أن يتفاقم الأمر.

  • عن طريق تحليل أداء الخصوم تستطيع البرمجيات ترشيح خطط للمواجهة، بل والتنبؤ بطريقة لعب الخصم فى المباراة القادمة.

إذا تأملنا تلك القائمة سنجد أنها تعتمد على شيئين: وجود بيانات مسبقة عن اللاعبين والمباريات والخصوم… إلخ ووجود آلية للقياس. كلتا النقطتين بحاجة إلى تكنولوجيا للقياس الدقيق لحركة اللاعب وتنفسه وضربات القلب وتحركات الخصوم… إلخ. طبعا وجود كاميرات دقيقة شىء أساسى، لكن وجود أجهزة يحملها اللاعب معه مهم، وهذا ما نطلق عليه إنترنت الأشياء.

...

إنترنت الأشياء فى مجال الرياضة:

إنترنت الأشياء (Internet of Things) وقد تحدثنا عنها باستفاضة فى مقال قديم، هى أجهزة استشعار دقيقة. هذه المجسات تقيس ضربات القلب، إجهاد العضلات، التنفس، بل وتستخدم فى مجالات خارج الرياضة مثل كفاءة الطرق أو وسائل الرى… إلخ. أعتقد أن الكثيرين من القراء قد استخدموا تلك المجسات إذا كانوا يمتلكون ساعات ذكية من التى تقيس عدد الخطوات التى مشاها الشخص والنبض وحتى الأكسجين فى الدم. تلك المجسات كانت فى فجر عهدها تقيس المطلوب وترسله لجهاز كمبيوتر قوى يقوم بتحليله، لذلك جاءت فى التسمية كلمة الإنترنت. أما الآن فكثير من تلك المجسات عندها القدرة على القيام بعمليات تحليلية وتقوم فقط بإرسال النتيجة لجهاز كمبيوتر قوى مزود ببرمجيات الذكاء الاصطناعى التى تقوم بالأعمال التى ذكرناها أعلاه.

...

أعتقد أنه أصبح لزامًا علينا إذا أردنا أن نحقق نتائج مشرفة فى المنافسات الرياضية أن نستخدم التكنولوجيا التى ذكرناها ولا نعتمد على مجهودات فردية أو الحماس العاطفى للاعبين التى تجعلهم يفوزون مرة ويخسرون مرات. الوقت قد حان لتعاون الأندية الرياضية والاتحادات الرياضية مع كليات الحاسبات (برمجيات الذكاء الاصطناعى) وكليات الهندسة (إنترنت الأشياء). هذا سيقود إلى نتائج مبهرة إذا تم تعميمه بالطريقة الصحيحة، وأيضًا يحسن من الاقتصاد إذا أنشأنا شركات للتكنولوجيا المتعلقة بالرياضة، فموقع (statistica) يتنبأ أن سوق البرمجيات التحليلية للألعاب الرياضية سيصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار على سنة 2030. الآن وقت مثالى لنبدأ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved