جيش وعسكر
نيفين مسعد
آخر تحديث:
الإثنين 16 سبتمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى ميدان الحجاز بمصر الجديدة تجمع عدة مئات من أنصار الدكتور محمد مرسى عصر يوم الثلاثاء الماضى. غلب على تكوين المشاركين العنصر الشبابى، وتوزع هؤلاء الشباب على مجموعتين، مجموعة ترتدى أوشحة صفراء عليها الكف السوداء المنقوصة التى باتت علامة على موقعة رابعة، وهذه ثبتت مكانها حاملة لافتات عليها صور الرئيس المخلوع وعبارات تتكلم عن الشرعية الضائعة. ومجموعة أخرى لم تلتزم بزى محدد لكنها كانت تمتطق حقائب سوداء ملأى بالمنشورات توزعها على المارة وتلقى بها إلى داخل السيارات ذات النوافذ المفتوحة. تمركز المتظاهرون فى صحن الميدان، وعندما جاءهم مدد بشرى من ميدان الألف مسكن أحد معاقل النفوذ الإخوانى زاد العدد. انطلقت المسيرة وصادف خط سيرها طريق عودتى إلى المنزل فكان من نصيبى أحد المنشورات.
حمل المنشور عنوانا طويلا هو «لماذا نهتف: يسقط يسقط حكم العسكر؟؟ لماذا نريد حكما مدنيا بغض النظر عن الأسماء؟ لماذا نرفض الانقلاب العسكرى؟.» وقبل أن يدخل المنشور فى تفسير أسباب رفضه لظاهرة «حكم العسكر»، حرص بداية على أن يميز بين معنى كلمتى عسكر وجيش فماذا قال؟» كلمة عسكر فى العلوم السياسية تعنى قادة الجيش عندما يدخلون فى السياسة ويحكمون البلاد. أما إذا بقوا لخدمة الجيش بعيدا عن السياسة فلا يسمون عسكرا»!!
●●●
أضافت لى هذه الديباجة المبتكرة معلومة ثمينة لم أصادفها فى كل ما قرأت من كتب فى مجال التخصص لكنى أحمد الله أننى قد أدركتها قبل فوات الأوان. فالعسكر هم أفراد القوات المسلحة الذين يتركون ثكناتهم ويتسلمون السلطة، فى حين أن أفراد القوات المسلحة الذين يقتصر دورهم على حماية الحدود إنما يشكلون كيانا يوصف بالجيش. قلت لنفسى إن كاتب هذا المنشور لابد له صلة ما بدراسة العلوم السياسية، أما حقيقة هذه الصلة فغير معلومة، فقد يكون طالبا فى مقتبل دراسته الجامعية، أو حتى خريجا من أحد أقسام العلوم السياسية لكن لم يربطه بقسمه إلا كارنيه الجامعة، أو ربما يستقى معلوماته من مواقع التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائية. لكن فى كل الأحوال فإنه بهذا المدخل الذى يستخدم فيه لغة قاطعة لا يقدر عليها إلا كل عالم ببواطن الأمور، إنما يتحايل على سؤال بسيط قد يعّن لأى مواطن بعيد عن دنيا السياسة والسياسيين، وهذا السؤال هو: لماذا يهتف البعض يسقط يسقط حكم العسكر ولا يهتف يسقط يسقط حكم الجيش؟
●●●
شققت طريقى بصعوبة وسط السيارات التى كانت تتقدم المسيرة وقد أغراها ارتباك حركة المرور على فعل كل ممنوع، وبدأت تتوالى على ذهنى مقاطع من شريط الذكريات فتمطرنى بوابل من الأسئلة العويصة. وقف الجيش المصرى إلى جانب ثورة يناير ولولاه ما تنحى مبارك فهل فعل ما فعل كجيش أم كعسكر، وتحالف المجلس العسكرى مع الإخوان فدافعوا عنه دفاعا مستميتا إلى حد عرض الإمارة الإسلامية على رئيسه فعن من كان دفاعهم على وجه الدقة: الجيش أم العسكر، وعندما يتغير اليوم موقف الإخوان من الجيش أو لا يعنى هذا أن مضمون السياسة وليس فعلها هو الذى يحدد إلى أى الفئتين ينتمى أفراد القوات المسلحة، بعبارة أخرى لو افترضنا جدلا أن الجيش قد اتخذ صف الرئيس فى مواجهة مظاهرات 30 يونيو وانتقل بذلك من حماية الحدود إلى حماية النظام فهل كان ذلك ينفى عنه صفة العسكر؟ للميكيافيلية وجوه عديدة ومنها ما يتشح بالدين.
من أحد الشوارع الجانبية ظهرت فجأة سيارة كيا سوداء انضمت إلى مجرى السيارات التى يغص بها الطريق، توقفت فجأة ليخرج منها شاب ثلاثينى يحمل رشاشا أطلق منه زخات رصاص تجاوبا مع المتظاهرين فاشتعل حماسهم، تماوجت فى الفضاء اللافتات البيضاء الضخمة، وحثت المسيرة الخطى بينما حل بالمارة ارتباك عظيم، أما فى خلفية المشهد فراح يتردد بقوة هتاف: يسقط يسقط حكم العسكر.